|


صالح الخليف
المجلات الشعبية.. هل كانت صحافة؟
2019-09-13
حتى قبل وصول منصات السوشال ميديا إلى مرابع بني العرب، كانت شموس ما يسمَّى مجازًا بالصحافة الشعبية تسير بخطوات متعجِّلة نحو آفاق المغيب.. كانت تلملم أوراقها، وصفحاتها، وأدواتها، وبقايا معاركها المتهدِّمة تحت أنقاض الزمن.. وبأزوفها المتوقَّع يمكن استعادة عشرات الأسئلة المشروعة عن قيمتها المهنية، وعن وزنها وحجمها، وتأثيرها في تلك الأيام الخوالي في أجواء الصنعة الصامدة..
لكن يأتي السؤال الأكثر تمدُّدًا، والأكثر انتشارًا واستحقاقًا للإعادة والتكرار لنقول: هل كانت المجلات الشعبية تقدم صحافة بالمعنى الذي يفهمه ويؤمن به المتخصصون؟
تمثِّل المجلات بشكل أعم الوجه الناعم اللطيف عندما نتحدث بشمولية واسعة عن الصحافة.. قدمت الثنائيتان الأمريكيتان نيوزويك، وتايم مثالًا حيًّا، يحتذى به في رسم الصورة الذهنية عن هوية المجلة، وما يجب أن تكون عليه.. الصورة الأخَّاذة، والتقرير المفعم باللغة الباذخة، والحوار الاستثنائي.. هذه هي أدوات المجلة في كل مكان.
فهل كانت مجلات الشعر الشعبية توفرها؟ بالطبع الإجابة واضحة.. صحيحٌ أن المقارنة تبدو مجحفة وظالمة، ولا تستند إلى منطقية متكاملة.. فمجلات الشعر كانت محددة الأهداف في المساهمة الفاعلة في انتشار الشعر النبطي، ووصوله إلى جمهوره الواسع في منطقة الخليج.. وما كانت أبدًا قواعد وأساسيات العمل الصحفي، وتفاصيله الصغيرة ضمن أولويات القائمين على تلك المطبوعات.. من الظلم أساسًا تحميلها وتحميلهم فوق طاقتها وطاقتهم.. أغلب المجلات لم يكن المشرفون على إدارة تحريرها صحفيين، وإنما شعراء، ربما يملكون قدرًا مقبولًا من العمل الصحفي، وهذا ما جعلها تنهار مع أول عاصفة، تتمثَّل في عزوف القراء عنها عقب ظهور قنوات متخصصة في متابعة الأمسيات وقصائد الشعراء ومعارك المحاورة.. كانت هذه المرة الأولى التي ينتصر فيها التلفزيون، وتسقط الصحافة وبالضربة القاضية.. المجلات الشعبية غابت ليس بسبب انتشار السوشال ميديا، وتغيُّر المزاج العام، بل لأنها كانت صحفيًّا هشة، وأوهن من بيت العنكبوت، لذا رفعت الراية البيضاء مبكرًا، وانسحبت دون أي تحدٍّ، أو خوض حروبٍ ومن أي نوع.. بعيدًا جدًّا عن محتواها، وهل هي صحافة، أم مجرد قصائد تزدحم بها الصفحات، وبعيدًا عن مقارنتها بالتايم والنيوزويك، ستظل المجلات الشعبية ظاهرةً، تستحق دراسة ولادتها ومماتها وأسبابها بتعمُّق، لعلَّنا نُفيد ونستفيد حينما نتحدث عن صحافة يجب أن تستمر..!!