|


فهد الروقي
نام الرفاق
2019-09-13
عندما شارفت شمس الخميس على الغروب، خرجت من الرياض في اتجاه منطقة "سعد"، حيث سبقني مجموعة من الأصدقاء، يعشقون صيد الطيور المهاجرة، ويختارون هذا المكان لقربه وكثرة الطيور فيه.
بعد تناول العشاء من لحم طير مما تشتهي الأنفس، نام الرفاق جميعًا، وبقيت وحيدًا، هجر النوم مقلتي، فقد نال الإجهاد منهم كل منال، حيث يستقيظون قبل الفجر يوميًّا، ولا يضعون جنوبهم إلا بعد العشاء.
عندما سيطر الأرق، ذهبت بعيدًا عن خيامهم المؤقتة، وجلست على الرمال متأملًا في ملكوت الله تارة، وعابثًا بهاتفي تارة أخرى حتى شعرت برغبة في الكتابة دون أن يدور في خلدي ماذا سأكتب.
وودت أن أخلق فكرة جديدة لم يسبقني إليها أحدٌ، لكنني تذكرت قول عنترة: "هل غادر الشعراء من متردم .. أم هل عرفت الدار بعد توهم"، وأيقنت أن مَن نضبت أفكاره لكثرة طرقها قبل ألف من الزمن ونصفه لا يمكن بعدها لمثلي أن يجد فكرةً، تطفئ شغفه.
قلت في نفسي: هذه ليلة "قمراء"، ولعلي أتناول ما تناوله دايم السيف في:
سريت ليل الهوى لين انبلج نوره
أمشي على الجدي وتسامرني القمرا
لكنني سرعان ما تراجعت حتى لا يختلط حابل الفصيح بنابل النبطي، ثم يأتي منتجه "خديج" يسمَّى بـ "الحداثة".
هي ليلة غاية في الجمال، اكتمل فيها القمر بدرًا، وكأنه خالد بهذا الاكتمال، لا يظن في نفسه أفولًا، وستتلاشى أحلامه ولن يعصمه عن ذلك عاصم ولا عصام، وقد أضاء بنوره على شجيرات متناثرة هنا وهناك، كأن من أغصانها صنع الرمح الرديني.
قلت لعلي أوجه رسالة إلى نائب رئيس التحرير لعلمي بشغفه بالأدب، وبراعته فيه، لكنني استدركت بأن واجباته العملية قد تحجب عنه ما بين السطور، وكأنني به الآن يعيد قراءة المقال تارة وأختها، واضعًا نظارته مرة، ونازعها في أخرى، يبحث عن "مفتاح" بمنزلة فك طلاسم شفرة تدل على رمزية لم أقصدها.
ولأن "نسائم نجد العذية" في وقت "السحر" تنشط الذاكرة، استرجعت مقالة عجيبة، كتبها رئيس التحرير في "الشلهوب" قبل أعوام، كنت أظن حينها أنه "اقتبسها" من بنات أفكاري، أو لعلي توهمت ذلك لبراعة المداد والطرس الذي كتبت به وعليه.

الهاء الرابعة
والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وذكرك مقرون بأنفاسي
ولا شربت لذيذ الماء من ظمأ
إلا وجدت خيالًا منك في الكأس