|


أحمد الحامد⁩
عندما غنى لي صباح فخري
2019-10-12
يقال إن العملاق صباح فخري هو صاحب أطول فترة غنائية على المسرح تجاوزت تسع ساعات كغناء متواصل، في الحقيقة أن ما قيل لي هو 12 ساعة، لكنني قللت عدد الساعات حتى إذا كانت المعلومة التي قالها زميلي السوري زاهر غير صحيحة، يكون وقع ذلك أخف على القارئ، أي ألا تصل المعلومة لمستوى كذبة بحجم "الصاروخ"، ويكتفي المعلق عليها بأنها غير دقيقة فقط.
عموماً عرف عن هذا المطرب الكبير بأنه فعلاً يحيي حفلات يمدها الطرب إلى عدة ساعات، في إحدى سفراتي إلى بيروت سكنت فندقاً، قال لي موظف الاستقبال وهو يغمز لي بعينه مبتسماً: شو رأيك أخليك تحضر حفلة الأستاذ صباح إبلاش ومن بلكونة غرفتك كمان؟! ما إن جاءت الساعة التاسعة مساءً وجلست في بلكونة غرفتي المطلة على الساحة الداخلية للفندق حتى بدأ حضور الجمهور من الرجال ببدلهم الغامقة وربطات عنقهم والنساء بفساتينهن الأنيقة، كانت أعمار الجمهور ما بين الخمسين والسبعين عاماً، صعد صباح على المسرح وقوبل باستقبال حار وتصفيق شديد، وبدأ صادحاً بمواله الشهير من قصيدة لبهاء الدين زهير:
حبيبي على الدنيا إذا غبت وحشةٌ
فيا قمري قل لي متى أنت طالعُ
لقد فنيت روحي عليك صبابة
فما أنت يا روحي العزيزة صانعُ
هكذا رحت أستمع إليه منطرباً وأنا لا أبعد مسافة عن الحفل سوى أمتار قليلة، بعد ساعتين بدأت أغادر بلكونتي وأدخل للغرفة ثم أعود للجلوس في البلكونة، كما أن بعض الجمهور بدؤوا يتمايلون ويتراقصون بخطوات شبه خجلة، بعد أربع ساعات أصبحت أجلس في غرفتي لكنني أطل من البلكونة كل ربع أو ثلث ساعة، كان الجمهور الذي وصل رصيناً قد تخلى عن تحفظه تماماً وبدأ الرقص الانفعالي ما بين الطاولات، بينما تخلى بعضهم عن ربطات عنقهم ونزع آخرون جاكيتاتهم، وأظن أن الرقص فوق الطاولات كان بعد مرور خمس ساعات من بداية الحفل، تعب الراقصون ولم تتعب حنجرة صباح، كانت تزداد حلاوة كلما استمر في الغناء، بينما رحت أتابع حركات المنطربين وانفعالاتهم ورحت أضحك على حركات أجسادهم وهي تتراقص بكروشها من فوق الطاولات التي كنت أطل عليها.. شعرت بالتعب والنعاس وغصت داخل السرير وأنا أستمع لمواويل صباح.. كان صوتاً ثالثاً يحادثني يقول لي: هل من المعقول أن يغني لك صباح وتنام؟ عندما استفقت من النوم كنت أحد الذين ناموا وصباح يغني لهم.