|


فهد عافت
استرسال!
2019-10-12
في الصباح، متهيّأً للخروج، وبينما تبدو الأمور طبيعيّة وأقرب إلى الرّضا، ترتدي ملابسك. تكتشف زيادة طفيفة في وزنك، وأنّ ثوبك صار أضيق بقليل، تتململ لثانيتين، وتقرر دونما ثقة بقدرتك على الالتزام بضرورة بِدء تخفيف الوزن، تُدحرج الحكاية الصغيرة كلها إلى مكان لا تطاله يد التذكّر، تبتسم لجارك، ثم لزملائك في العمل، كل شيء يبدو طبيعيًّا، لكن فجأة وفي منتصف النهار.
تغضب بانفلات أعصاب تستغربه من نفسك لأمر بسيط أو تافه!. تهدأ نادمًا على غضبك الذي ربما تسبب لأحدهم بإساءة منك، تتردّد في الاعتذار له خوفًا من عدم قبوله، تتصرّف وكأنّ شيئًا لم يكن، ويساعدك الآخر على ذلك بكرم منه وسماحة تودّ أن تشكره عليهما لكنك لا تفعل، يمنعك الخجل!. تعود إلى بيتك، تُستثار من جديد لتأخّر الغداء، أو للملح الزائد قليلًا فيه!، تقول كلمة غير مناسبة، تتجاهلها زوجتك لكنها بعد لُقمتين تنهض متظاهرةً بالشبع!، تعرف أنّ ذلك غير صحيح لكنك تتقبّله لأنك لا تريد أو لا تعرف كيف تعتذر لها عن الكلمة غير المناسبة التي قلتها قبل قليل!. لم يكن غداءً شهيًّا، ومع ذلك تكتشف أنك أكلت منه أكثر من اللازم، تتململ غاضبًا من نسيانك الوعد لنفسك بتخفيف الوزن!، تقول رافعًا صوتك لملاطفة من بعيد مع زوجتك: عمومًا، سأبدأ من اليوم "دايت" فوزني زائد، تتظاهر هي بعدم سماعك، تقبل تظاهرها وتأخذه على أنه ردّ دَيْن معقول، وتعتبر أن الأمر انتهى!. مساءً، وفي استراحة الأصدقاء، تخسر في "البلوت" فيؤذيك التّندّر بك، أو تكسب فيؤذيك عدم الاعتراف بمهارتك!، تشعر أن الأذيّة اليوم أكبر منها في الأمس رغم أنّ التندّر وعدم الاعتراف طبيعة يومية في "البلوت"!. تتجه إلى شبكات التواصل، تروح للطائر الأزرق، تصبّ غضبك الذي لا تعرف سببًا مباشرًا، ولا حتى غير مباشر، له!، على أحدهم!. أو تفعل شيئًا آخر، كأن تكتب تغريدة عن التسامح وسعة الصدر والصبر وضرورة أن يتحلّى المرء بالخلق الرفيع والكلمة الطّيّبة!. أيًّا كان ما تقوم به فإنه لا يُرضيك!. في الحالة الأولى تدري أنك غضبت وفي الحالة الثانية تدري أنك كذبت!. تشعر بصداع بسيط، تُفسّر ذلك بأثر بداية تخفيف الوزن فأنت لم تتناول وجبة العشاء!، تقول في نفسك: ليس هذا هو اليوم المناسب لتخفيف الوزن، فحالتي النفسية لا تسمح بذلك، عليّ أن أساعد نفسي، سأتعشى وبدءًا من الغد أبدأ تخفيف الوزن!، تعود إلى البيت متأخرًا، الجميع نائمون، وأنت بنفسك من طلبت عدم ترك وجبة لك!. تطلب أكلًا من المطعم، يصلك وأنت جائع، تلتهمه وتنام، تتقلّب في كوابيس مزعجة، أو تصحى موقنًا بأنك لم تنعم بنوم مريح وهادئ بسبب زيت وجبة المطعم وتأخرك في تناولها والنوم بعدها مباشرة، تستمدّ طاقة تفاؤل فاليوم جديد، والحياة تتجدّد، لكنك ما إن تأخذ ثوبك من علّاقة الملابس لترتديه، حتى تكتشف أنه صار أضيق منه بالأمس!. تسخر من نفسك وأنت تكرر في داخلك الوعد نفسه!، تكذب على نفسك أكثر مبرّرًا عدم ارتياحك بشفرة الحلاقة التي انزلقت قليلًا فأدمت ما تحت الأُذن بجرح بسيط!. الجرح الذي لم يعد بسيطًا أنك خرجتَ من البيت وواجهت جارك، حيّاك فحييّته، لكنك لم تبتسم له ابتسامة الأمس!. يا صاحبي: الأمور البسيطة، البسيطة جدًّا، هي التي تصنع يومك وتصنعك!. فقط حاول عدم تجاهلها، لا تتركها تتكدس في ذاكرتك ووجدانك، وكأنك غرفة مَخزن!، استمتع بالسّار منها، وتعامل مع غير السّار بشجاعة وسرعة، خلّص نفسك منه على أفضل وأكرم ما يُمكن، قرر، واعتذر، واشكر، وواجه، افعل كل ذلك أولًا بأوّل، هذه هي النقطة الأهم: أوّلًا بأوّل!، وإلّا فإن ما ستلاقيه بعد فترة لا يمكن تحمّله فعلًا!. ما لم تفعل، فإنك وبعد فترة، طويلة أو قصيرة، ستكتشف أنه لم يعد هناك من يهتم لغضبك ولا لعتبك ولا لمسرّاتك ولا لرضاك!. وقد لا تكتفي زوجتك بتشكيل اعتراضها على هيئة التوقف عن الأكل بعد لقمتين والتظاهر بالشّبع!. لقد تعمّدتُ الاسترسال في هذه المقالة لأقول لك: لا تسترسل!.