|


خالد بن عبد الله التركي
حب الإبل حتى النخاع
2019-10-21
المغزى الذي نشده محبو الإبل ومؤسسو مزايناتها هو رفع معنويات مربيها، وتحسين أحوالهم، وتشجيع الناس على اقتناء أطيب السلالات وأجودها، حتى أصبحت في عصرنا هذا محط الأنظار، وملتقى الأفكار، لا يخلو مجلس من ذكرها، دخلها الصغار قبل الكبار، وفُتن بها رجال الأعمال، فأصبحوا بعد تدقيق الحسابات وضبط دفاتر القبض والصرف، يدفعون فيها الملايين ولا يبالون.
سماها البعض بالسحر الحلال، لأنها تسحر من دخلها فتصبح أغلى من العيال، يأنس عندها، ولا يمل النظر إلى صورها، تزداد حلاوةً يوماً بعد يوم، وتكبر في عينه مع مرور الأزمان. إن كان عندها نسي الهموم والآلام، وإن بعد عنها اغتم ولا نام.
مهما قيل وكتب عن الإبل فلن نفيها حقها ولن ننقص أو نزيد من غلاها فهي غنية عن الإشادة، إرث الآباء والأجداد، سداً وحصناً من الكوارث والنكبات، وكنزاً وعزاً وقت الأزمات، قادتهم إلى العلا والمجد بعد أن كانوا في حاجة وفاقة. افتخرت بها القبائل من قبل ومن بعد، رمز للشجاعة والسؤدد، لا يستهين بها إلا من جهلها ولم يعرف حقها وتغاضى عن دورها. الإبل خفيفة الظل، تذل وتنكسر لراعيها، وترقص فرحاً وسروراً وبهجةً لمالكها. قديماً، قامت الحروب من أجلها، فكانت كالراية البيضاء، إذا نظرت إليها سرتك، وإذا ضاقت بك الدنيا ذرعاً تذكرت عظمة خالقها فهانت عندك الصعاب، وتطايرت أمامك الأهوال، فزال همك وغمك، وتحول إلى سعادة وانشراح. هي المال والنماء والثروة والجاه، وقف وتفكر بها الملوك، فأحبوها فصارت معشوقتهم الفاتنة، لا يهدأ لهم بال حتى يروها كل صباح ومساء. لو خير أهل الإبل بين ملك قيصر والروم وبينها لاختاروها لأنها الكنز الذي لا ينقص والعين التي لا تنضب، فهل سمعتم بحب أشرف من هذا الحب؟! حب تجاوز القلوب فأسر الجوارح والعيون، فحلق في السماء وتجاوز السحاب والغيوم، فأصبح كل محب لا ينظر إلى سواه، قد تسمحون لنا إن سميناها حور الدنيا، جميلة براعيها، شامخة بمجدها، عزيزة بنفسها، كريمة بجاهها، تجود للبعيد قبل القريب، لا يهمها دنايا الأمور، وتجميع حطام الدنيا، إذا رأيتها رأيت السعد، وإذا سرت معها أنستك الحزن، طافحة مائلة شامخة ذابلة كلها سكينة، ليس بها كبر، إن ناديتها أعطتك نحرها، وإن سقتها مالت عليك برأسها، كأن حالها يقول: كن مني قريباً حتى يزداد الشوق والولف.