|


فهد عافت
الهِمَّة قبل الموهِبَة!
2021-02-14
- لا أُحبُّ المُقلِّدين، وفي داخلي لهم من الشتائم ما لا تقدر هامة الكتابة، كتابتي، على الوصول إلى الغُبَار المُثَار من وَقْع قَدَمَيهِ!.
- ويُسعدني أنّ كثيرًا منهم يعرفون ذلك وإن أخْفَيتهُ وإنْ تصنّعوا جهلهم به!، تحاشيًا، وخوفًا منهم في الدخول إلى بوّابة “من على رأسه بطحة”!.
- قَرَفي من المُقلِّدين، لا يعمّ الجميع!. يخصُّ من أكمل الطّريقَ مُقلِّدًا. لم يتحرّر من قيد، ولم يتجرّأ، ممارسًا أي نوع من الشجاعة الأدبيّة، ليرى نتيجة عمله حُرًّا، منطلقًا، متفرّدًا!.
- وأخصّ بالذِّكْرِ أولئكَ الذين يُمكن أنْ يتكشّف لكل مُتابعٍ لنتاجهم، أنّهم يتّمتعون، فعلًا، بموهبة كانت جديرة بالصّقل، ومُستحقّة لتجريب إظهار الخاصّ والجُوّانيّ العميق فيها، لكن أصحابها لم يفعلوا!. ارتضوا مذلّة التّقليد والاتّباع والانصياع!. كانت هِمَمهُم أقلّ بكثير من مواهبهم!.
- استسهلوا الأمر، وخانوا مواهبهم، باختيارِهم لنموذج أعجبهم، أحبّوه أول الأمر وأحبّوا نجاحه أكثر من محبّتهم لهُ!، فأدخلوا رقابهم في حبل نموذجه، يَتْبَعُونَ خَطْوِه، مفرداته، صَوَرِهِ، إيقاعه، موسيقاه، ومواضيعه!. يزوّرون حبيباتهم لتتشابه مع حَبِيباتِهِ، لأنهم لا يعرفون التّغزّل ولا الحبّ، إلا بكلماته وعلى طريقته!. سُحْقًا!.
- بالنسبة للمبتدئين، في أي مجال فنّي أو أدبي، الأمر مُختلِف وينقلب انقلابًا، لدرجة أنني أنصح بتقليد كل مُبتدئ لِمَن، وبِمَن، يتأثّر به من المبدعين!. شرط أنْ لا يتوقّف!. يُقلِّد من تأثّر “به”، ثم من تأثّر “بهما”، ثم من تأثّر “بهم”!. والكثرة هنا واجبة لاستكمال الغَرَض!.
- ليس بإمكانه أن يظلّ مُقلِّدًا، مَنْ يجمع ويخلط ويعجن أكثر من خمسين مُبدعًا، شرط أن يُقلِّدهم جميعًا في نفس اللحظة!. الشرط الثاني: أن لا يكون هؤلاء الذين تأثّر بهم، عبارة عن مُبدع واحد وتسعة وأربعين أو أكثر مُقلِّدين له!.
- يا للكارثة التي حلّت بالشعر مِنْ جُرْم عبقريّة محمود درويش!. كان يُمكن لـ”شوقي بزيع” أن يُدهش الدّنيا لو لم يُقلِّد في كل أشعاره شعر محمود درويش!. ومثل “شوقي بزيع” كثير!. فما بالك بمن يُقلِّد شوقي بزيع وبقيّة غبار درويش!.
- لم أقدر على رؤية “هشام الجخّ” إلا مُهرِّجًا!. كل كلام الصحافة وانبهار الناس به لم يدخُلْ ذمّتي بِرِيَال!. غبار عبدالرحمن الأبنودي يتطاير من فمه!. بينما كنتُ، ولا أزال، معجبًا بـ”أيمن بهجت قمر”، الذي تُوجَد لديه مُفردات “شوارعيّة” من قاع القاع!. مفردات صفيقة ومُبتذَلَة، بل ويستخدم بعضها في معاني ساقطة!، بموسيقى دائخة!، وإيقاعات جسورة، تأخذ وهجها من تهافتها!.
- كثير من النّقّاد والجمهور، استهجنوا، ويستهجنون، نهج “أيمن بهجت قمر”، لكنه نَصَبَ سِيركًا من الشعر العامّي، جديد الشكل والجوهر!. لأشعاره العاميّة لذعة خاصّة ليست عند غيره!.
- مرّةً كتبتُ: نجح عبدالحليم حافظ لأنه فشل في تقليد محمد عبدالوهّاب!. وفشل هاني شاكر لأنّه نجح في تقليد عبدالحليم حافظ!.
أُضِيف: كان صوت “سعاد محمد” في وقته، من أجمل الأصوات، صوت بمستوى أصوات أم كلثوم وأسمهان وليلى مراد، وأعلى قيمةً من صوت وردة الجزائريّة، ونجاة الصغيرة، وبالتأكيد فايزة أحمد!. لكنّهنّ نجحنَ، وتفوّقن عليها، لأن كلّ واحدةٍ منهُنَّ اختطّت خطًّا مغايرًا، بالذات فايزة أحمد!، بينما ظّلّت سعاد محمّد تلاحق صوت أم كلثوم، تدور في مداره، تنتهج نهجه، تحاول تقليده، وها هي اليوم على عظمة الموهبة في صوتها، ذاهبة إلى نسيان شبه مؤكّد!.
- عفاف راضي كانت تمتلك صوتًا قادرًا على أن يُحدثَ انقلابًا مبهرًا في الغناء، لولا تدخّل أكبر رأس سياسي وقتها، وطلبه من المُلَحِّنين، إعادة صياغتها لإنتاج “فيروز” مصريّة، تنافس “فيروز” اللبنانيّة، المدعومة من إذاعة سوريّا!.
- تقليد واحد، أشكر الصدفة أن جعلتني ألتقي به عبر اليوتيوب قبل أيّام، أعاد لي تقدير ومحبّة واحترام “تامر حُسني”!. أحبّ في أغانيه مواضيعها الطريفة، وفي ألحانه دغدغة الطفولة!. لكنني كنتُ أظنّه لا يمتلك حنجرةً طَرَبِيّةً!، وأنّه يلجأ إلى الطرافة والسهولة لافتقاره إلى خامة صوتيّة قادرة وقديرة!.
- وإلى أن شاهدتُ ذلك المقطع في اليوتيوب، والمأخوذ من حوار تلفزيوني معه، كنت فيما لو سُئلتُ عن الفرق بين صوته وصوت “بهاء سلطان” مثلًا، لما تردّدتُ في تقديم صوت “بهاء سلطان” عليه بمراحل!.
- لكنه في ذلك المقطع الطريف، كشفَ عن موهبة عجيبة في تقليد الأصوات والأداء!. كان “بهاء سلطان” من بين من قلّدهم!. يا لروعة وجمال وعذوبة ولطف وطرافة ما رأيتُ وسمعتُ!. لحظتها، عَلِمْتُ، وتأكّدتُ، بما لا يدع مجالًا للشّكّ، أن “تامر حسني” طاقة صوتيّة فخمة، تقدر على الكثير، لكنه، بذكائه وفطنته، أراد الأكثر!، إذْ اختطّ لنفسه خطًّا، لم يسبقه إليه أحد، ومهزومٌ من يسابقه فيه!. أراد الأكثر، وحصل عليه، ويستحقّه!.