|


فهد عافت
« وآخَرِين»!
2021-03-08
ـ مسكين!. زاد في التّأفّف، وأكَثَرَ مِن ربْط الخيبات بالحظّ والظّروف، والتّحسّر على تقلّب الأصحاب والتّعجّب من قدرتهم على الخذلان والتّخلّي!. زادَ وأكثَرَ، حتّى لم يعد أحد قادرًا على التعاطف معه، لأنّ التعاطف يحتاج إلى تصديق، ولم يعد أحد يُصدِّقه!. ثم إنّه لم يتوقّف!، فاستُنْفِدَتْ طاقة مُجالسَتِهِ، وبادَ الحَيْل!.
ـ لم يعد أحد قادرًا على الاجتماع به، أو الاستماع إليه!. ربما، لو أنّه بخل في الذّم وتوزيع التُّهَم والإدانات والشتائم، لو انتقى!، لَصُدِّق!. أقول ربما!.
ـ أساء لنفسه كثيرًا، وصارت حسنته الوحيدة، أنّه لم يعد قادرًا على الإساءة لأحد!. مسكين!.
ـ كان شاعرًا موهوبًا، وواعدًا. لكنه جاء في زمن ضجّ بمواهب أكثر فخامة!. حاول الاقتحام، حاول التّصدّر، فلم يفلح!. ثمّ حاول المشاركة، وأنْ يكون ضمن المجموعة المُنتقاة، ولم يفلح أيضًا!. كانت عينه عليهم، وكان في هذا مقتله!.
ـ جالسته مرّات، وكانت تعليقاته، على حسراتها، لا تخلو من طرافة!. مرّةً، وكان ذلك قبل أكثر من ثلاثين سنة، قال لي: أنا من مجموعة “وآخرين”!. استزدته لأفهم. قال: ألا تقرأ، في كل حوار مع أحد هؤلاء الكبار النّخبة، سطرًا يتكرر كلّما سُئلوا عن المبدعين، يعدّد فيه كل واحدٍ منهم الأسماء الأربعة أو الخمسة ذاتها ثم يقول “وآخرين”! أنا من هؤلاء “الآخَرِين”! لستُ مطرودًا من جنّتهم ولستُ معهم فيها!.
ـ افترقنا سنين طويلة، وقبل عامين أو ثلاثة، التقيتهُ صدفةً في سفر. بالكاد عرفته وعرفني!. تحوّل إلى شيء آخر: الحسرات نفسها لكن الطّرافة تحوّلَتْ إلى تطرّف!.
ـ مُكَوَّمًا على نفسه، راح صوته يعلو بغضب حاد، واستياء لا يُحدّ، وبكلمات لا تتضافر إلا لتتنافر، سمعته يتحدّث بعنجهيّة وصلف واستعلاء وغطرسة: ليس فيهم شاعر واحد حقيقي سواي! كلّهم أدعياء شعر!. قلتُ: بمن فيهم فلان وفلان؟! قال: “وآخرين”!.
ـ مسكين!. سلّم موهبته إليهم منذ البدء، فحُبِسَت وأصابها وصاحبها التَّلَف!.

ـ “قفلة”:
أكثر من يكره “الأوّل” ويحقد عليه، هو “الثّاني”!. سمعت صديقًا يقول: الثاني هو أوّل الخاسرين!. يا لها من عبارة!. لا أدري هل اقتبسها أم ابتكرها، لكنها عبارة بليغة إلى حدّ بعيد!.