|


سعد المهدي
الحقيقة والجدل
2022-01-22
من يعترض على الحقيقة على أنها غير ذلك إما لأنه ضدها أو لأنها فعلًا ليست بالحقيقة، وبالتالي متى يمكن لنا نقر بأن هذه حقيقة؟ هل أنها وقعت كما نروي أو كما نعتقد أو كما نتمنى؟ من يفصل في الأمر بيننا ومن يعارضوننا، وهل في الأصل من المنطق أن ينكر أحد الحقيقة؟
هل للحقيقة أكثر من وجه متى وكيف وهي الشيء الثابت يقينًا كما يتم تعريفها؟ دائمًا أتذكر أحداث شهدتها أو كنت جزءًا منها تتم روايتها بغير ما أعرفه عنها، لكن هذا لا يمنع أن أتمسك بما أعرفه أنا يقينًا دون تكذيب ما يمكن أن يكون قد حدث، أو استخلص من الحدث ما لم أشهده بما يعني وجه آخر للحقيقة.
روايات “كروية وصحفية” عن نجوم ومباريات وأحداث معسكرات ومنشورات صحفية ومواقف واعترافات صادمة مضت عليها عقود يمكن روايتها أو تدوينها في كتب، هي حقائق بالنسبة لي لكنها قد لا تكون كذلك لآخرين رغم معاصرتهم لها أو المشاركة في صنعها أو شهود عليها، والسبب أيضًا أما لأن للحقيقة وجه آخر أو أنهم ضدها لأسباب تخصهم.
من أبرز أسباب الجدل اعتماد زاوية واحدة للنظر أو التحليل أو الرواية، ومن أقبحها التدليس والافتراء والتضليل، المفكر علي الوردي يذكر “أن الانسان إذا اعتنق رأيًا لسبب من الأسباب النفسية والاجتماعية ظن أنه وصل إلى الرأي بعد أن فكر فيه وأحسن التفكير، لذا فهو يغضب كل الغضب حين يرى أحدًا يخالفه الرأي”!
وعلى أن “الحقيقة” غير الرأي إلا أنها تلقى نفس المصير إذ لا تقبل لمجرد تعارضها مع المصلحة الشخصية أو ما يعنيها، وإذا لا يلتفت لهذا إن صدر ممن لم تعهد لهم بمسؤولية التحقق والمحاسبة، فأنه من أصحاب الرأي المعتبرين أو من يظهرون على منصات خدمة تقديم الأخبار مستنكرًا ويتسبب في إثارة الجدل.
هناك شبه اتفاق على أن المجتمع الرياضي قائمًا على الجدل في حواراته والتجاوز بالإساءة لبعض، إلا أن المفكر “الوردي” الذي يشدد على أهمية النزاع في تطوير المجتمع وتحريكه يرى أنه يجب أن يكون النزاع مبدئيًا لا شخصيًا، والجميل أنه شبه الأوساط العلمية الرصينة برغم اختلافها عند خروجهم من مجلس الجدل مبتسمون متصافحون بما يفعله اللاعبون عند انتهاء المباريات الرياضية.. والحقيقة أن الجدل ليس بين اللاعبين بل غيرهم.