|


مدرب النصر والهلال.. كتب قمة الماء.. وأغضب الناس بسبب رونالدو

جدة ـ محمود وهبي 2024.02.24 | 12:04 am

أمضى أرتور جورجي، اللاعب والمدرب الراحل، أعوامًا طويلة في الملاعب، فهو بدأ مسيرته عام 1965 لاعبًا في صفوف بورتو، وأنهاها عام 2015 مدربًا لمولودية الجزائر، وهو من مثَّل ودرَّب بورتو وبنفيكا كبيري الكرة البرتغالية، وهو من درَّب النصر والهلال، قطبي العاصمة السعودية، والعالم ودّع اليوم اسمًا لامعًا طبع بصمات كثيرة في دول وقارات مختلفة، لكن كرة القدم لم تكن المسرح الوحيد لأرتور في حياته، لأنّه كان عاشقًا ومبدعًا على مسارح أخرى كثيرة، وفي عدة مجالات، ما يجعله مختلفًا عن أغلب من أمضى مسيرة في العالم الكروي عبر التاريخ.
وقبل عدة أعوام، أجرى موقع «فيزاو» البرتغالي حوارًا مطولًا وشيقًا مع أرتور، والحوار دار في غرفة المعيشة في منزله في لشبونة، العاصمة البرتغالية، ويروي المحاورون أن جدران الغرفة كانت مليئة بالرسومات، والرفوف مكدّسة بمئات الكتب والمنحوتات الفنية، وكان هناك خزانة مليئة بأقراص موسيقية كلاسيكية، وأخرى لموسيقى الـ «جاز»، لكن لم يكن هناك أي دروع أو كؤوس رياضية.
ما شاهده موفدو الموقع يلخّص جزءًا مهمًا من حياة أرتور، لأن كرة القدم لم تكن شاغله الأوحد، على الرغم من نجاحه لاعبًا ومدربًا، فهو من كان يسافر إلى لايبتزيش، في الشطر الشرقي من ألمانيا، في خضم مسيرته، لأخذ دورات متقدمة في فقه اللغة الجرمانية، وكان شاعرًا ومحبًا للشعر، كما كان يهوى جمع القطع الفنية، وربما هذا يفسّر ما قاله جوزيه مورينيو في وداع أرتور قبل ساعات: «أرتور جورجي كان أول مدرب برتغالي اهتم بالثقافة والدراسة».
وكان أرتور مخططًا ناجحًا منذ صغره، فهو مارس كرة القدم في أعوام طفولته وشبابه، لكنه وضع خططًا بديلة للتوجه إليها إن لم ينجح في كرة القدم، فمارس كذلك كرة اليد والبلياردو، وتلقى التعليم الجامعي عندما كان لاعبًا محترفًا في صفوف نادي أكاديميكا منتصف الستينيات، علمًا أن هذه الفترة لم تكن سهلة عليه، فأمّه فارقت الحياة عندما كان في الـ 17 من عمره، ثم ودّع والده بعد أعوام قليلة، إلا أنّه تحدّث في حواره مع «فيزاو» عن عائلته قائلًا: «عائلتي دائمًا تقدم لي الدعم، وربما أكثر مما أستحق».
وكان لأرتور أصدقاء كثر في الإطار الرياضي، إلا أنّ اهتمامه بمجالات أخرى منحه أصدقاء آخرين من خارج سلك كرة القدم، ومن بينهم جواو كوتيليرو، النحّات البرتغالي الشهير، الذي حرص أرتور على امتلاك عدد من أعماله، وعن هذه الأمور، يقول أنطونيو سيموس، لاعب بنفيكا السابق، أن أرتور كان رائدًا في مجال المعرفة، وباحثًا عن العلم والمعرفة، وشاعرًا وحالمًا، وأن هذه الصفات كانت سببًا وراء تطوره مدربًا.
وكان أرتور مدربًا لنادي بورتيموننزي عام 1983 عندما كتب ونشر كتابه الأول عن الشعر، وحمل اسم «قمة الماء»، لكن كتابه هذا كان الأخير، إذ كان حينها في الأعوام الأولى من مسيرته التدريبية، التي استمرت حتى عام 2015، ويقول أرتور في حواره مع «فيزاو» أن كتابة الشعر كانت محطة قديمة في حياته، فتوقف عن الكتابة، إلا أنّه استمر في القراءة، وفي حبه الكبير للشعر.
وعند لقائه بزملائه السابقين، كان أرتور لا يتحدث كثيرًا عن كرة القدم، إنما عن زياراته لصالات السينما والمسارح والحفلات الفنية، لكن كرة القدم حتمًا كانت من طبعت له الذكريات الأجمل، وفي بعض الحالات، الذكريات الأسوأ، ربما لأنّه كان شخصًا مختلفًا، وربما لأنّه كان صريحًا بأفكاره، وإحدى هذه الأفكار هي عندما سُئل عمّا هو معجب به في كرة القدم الحديثة، وجوابه كان اللاعبين الكبار، وعندما سُئل عن ذكر اسم واحد، كان جوابه ليونيل ميسي، ثم قال إن الناس يغضبون منه لعدم ذكر اسم كريستيانو رونالدو، ابن بلده.
وبعيدًا عن مسيرته الناجحة لاعبًا على أرض الملعب، ومدربًا على خط التماس، كان أرتور ناشطًا في قضايا كروية خارج حدود الملاعب، فهو كان ضمن مجموعة من اللاعبين الذين أسسوا رابطة اللاعبين البرتغاليين، رفقة الأسطورة أوزيبيو، وكان حريصًا على أن يكون رئيسها الأول، واللاعب السابق توني، زميله في أكاديميكا وبنفيكا، يقول إن أرتور كان دائمًا المدافع الأول عن اللاعبين.
عالم الرياضة ودّع اسمًا كبيرًا، وصحيفة «ماركا» الإسبانية وصفته اليوم بالرجل الحكيم في الكرة البرتغالية، وموقع «يوروسبورت» وصفه برمز التدريب البرتغالي، وبين سطور الصحف والمواقع إشادات كثيرة أخرى لرجل أمضى أكثر من 4 عقود في عالم المستديرة، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يكون شاعرًا ومفكرًا وفنانًا ومثقفًا ومقدرًا للعلم والموسيقى والمعرفة والعائلة.