|


تركي الغنامي
ألقاب الشعراء
2018-10-21
ما زال الشاعر منذ عُرف ملك الكلمة، وسلطان الألفاظ، تنقاد اللغة له طيِّعة سلسة، يجتاز بها أودية البيان، فمن وادٍ خصب يغدو بها إلى آخر، ومن أرضٍ رَيم يتحول إلى أخرى، فتكون بانقيادها لها أسعد منه بها، فهو يسقي قوالب الألفاظ من روحه وفنِّه حتى يترعها، فترى جوامد اللفظ تتراقص طربا وتتمايل سعادة، وربما طار بعضها في الفضاء بأجنحة الإبداع الخالص.
لقد عرفت اللغة وأهلها للشاعر حقه وظهر هذا التقدير والاهتمام في مناحي شتى، لعل من أظهرها ما حظي به بعض الشعراء من ألقاب غلبت على أسماء بعضهم حتى غيبت الاسم الحقيقي للشاعر، فلو نظرنا على عجالة إلى تلك الألقاب لوجدنا أن بعضها فني محض كاللقب الذي غلب على الشاعر الجاهلي الشهير: الطفيل الغنوي الذي كان يلقب "مُحبِّر"، وذلك لأنه يحبر شعره أي يحسنه، ويلقب أيضا "طفيل الخيل" لكثرة وصفه للخيل وإتقانه لذلك، وربما كان اللقب بسبب بيت أو لفظ جاء على لسان الشاعر كقول الشاعر شأس بن نهار العبدي، الذي غلب لقبه على اسمه فأصبح لا يعرف إلا بالمُمَزَّق العبدي لقوله:
فإن كنتُ مأكولا، فكن أنت آكلي
وإلا فأدركني ولمَّا أُمَزَقِ
ومن الألقاب ما يكون متعلقا بصفة خَلقية أو خُلقية ارتبطت بالشاعر.
استمر هذا الحال بالشعراء حتى قبيل العصر الحديث، لكن ألقاب الشعراء انصرفت في مجملها إلى الثناء بل إلى هيمنة الشاعر على من حوله من الشعراء، ولم يعد الثناء منها فني يقتصر على وصف الشاعر ولا يتعداه إلى غيره، فرأينا من ألقاب العصر الحديث "أمير الشعراء" و"شاعر النيل" و"شاعر الرافدين" وغيرها.
ولو نظرنا إلى الشعر الشعبي الخليجي بل الجزري عموما لوجدنا أنه مر بنفس المراحل ومن أمثلة ذلك نجد شاعرا شهيرا كـقيس العازمي الذي غلب لقب "قيس" على اسمه وكان اسمه "سفر"، وقيل أن الذي أطلق عليه هذا اللقب عبد الله أبو يابس الشريف تشبيها لشعره بشعر قيس بن الملوح، ومن ذلك لقب "العجراف" الذي غلب على الشاعر عايض بن زيد المغيري الذي كان سبب لقبه تكراره لشطر شعر فيه هذا اللفظة "العجراف".
أما في العقود المتأخرة فقد وجدنا ألقاب الهيمنة تشيع ومن أمثلة ذلك إضافة الشاعر إلى مدينة أو منطقة أو قبيلة إلى أن ظهرت المسابقات الشعرية فساهمت في تأصيل الألقاب الفخمة للشعراء فرأينا: شاعر المليون، وشاعر الملك، وشاعر الوطن، وغيرها.
وفق الله أحبتي الشعراء وسددهم.