|


أحمد الحامد⁩
ملامح من وجوه الحارة
2022-04-13
هذه المرة فقط التي أتأخر فيها في تذكر عبد الكريم قبل بداية شهر رمضان بيوم أو يومين، تذكرته بعد بدايته بعدة أيام، أما عبد الكريم فكان من أبناء الحارة ومن الصبية المتميزين فيها، ليس لأنه ذو مواهب حقيقية، سوى أنه صاحب حكايات شيقة جميعنا يعلم بأنها من صنع خياله.
أما لماذا أتذكره تحديدًا قبل بداية رمضان فلأن ما قاله بعد يوم واحد من بداية رمضان بقي عالقًا في ذاكرتي حوالي 37 عامًا، كان الناس يتابعون شاشة التلفزيون لكي يعرفوا إن كان غدًا هو أول أيام شهر رمضان، فأعلن التلفزيون أن غدًا هو المتمم لشهر شعبان، لكن عبد الكريم ولشدة حماسه صام اليوم المتمم، ثم أفطر في اليوم الأول من رمضان، وعندما سألناه عن السبب قال بأنه يطلب رمضان يومًا واحدًا!. لم يكن عبد الكريم متفوقًا في دراسته بل كان لا يحب المدرسة، وأذكر في ذلك الصباح عندما التقيناه أنا وأخي محمد ونحن متجهان للمدرسة، كان متذمرًا ويطرح استفسارات عن السبب الذي جعل اليوم الدراسي يبدأ باكرًا.. لماذا لم يجعلوه عند العاشرة..؟ ثم نظر نحونا وقال: دعوني أنا.. فلنعتبر أنني ولد كسول.. ما ذنب الأطفال الذين يستفيقون عند السادسة صباحًا في الوقت الذي هم بحاجة للنوم، خاصة وأن جسدهم ينمو أثناء نومهم؟ واجه عبد الكريم صعوبات في دراسته لكنني أراهن أن المعلمين كانوا يمنحونه الدرجات لحسن أدائه وهو يحاول خداعهم في الأسباب التي منعته من أداء الواجبات المنزلية، كانت لديه القدرة على صب الدموع من عينيه صبًا وهو يبرر السبب الذي منعه من كتابة الواجب، مرض والدته وبقاؤه ساهرًا لرعايتها، بقاؤه في المستشفى بجانب جارهم الوحيد، كان قد اختلق الكثير من الأسباب، وكان المعلمون يسامحونه بعد أن يتمعنوا في أدائه المذهل، في إحدى المرات صفق له أحد المعلمين قائلًا: والله أنت مكانك مش هون.. أنت مكانك عالمسرح مع دريد لحام وحسين عبد الرضا. لكن عبد الكريم أصيب بنكسة كبرى ولم تعد أعذاره ولا أداؤه ينفعانه، ففي آخر مرة خانه الحظ، أو أراد المثل القائل حبل الكذب قصير أن يثبت وجوده، سأله المعلم: ليش كمان ما حليت الواجب يا عبد الكريم؟ أخفض عبد الكريم صوته وهو يخرج الكلمات متقطعة.. ثم أطلق صرخة وهو يقول: أخوي الصغير مات.. ودخل في نوبة بكاء، احتار المعلم في عذر عبد الكريم هذه المرة.. ولأنه بكى بكاء مرًا صدّقه، عند عصر ذلك اليوم جاء الوكيل والمعلم لتقديم واجب العزاء لوالد عبد الكريم، كان يومًا صعبًا في مسيرة طفولته، اضطر فيه أن يدور لساعات حول منزله استعدادًا للانطلاق والهرب بعيدًا، ولم تُعده إلى البيت إلا جدته بعد أخذ العهود والمواثيق من أبيه لكيلا يضربه. بقي عبد الكريم بعدها سنوات قليلة وهو يمارس أسلوب حياته الذي يريده، حتى قال له القدر إن فصلًا جديدًا عليه أن يعيشه، مات أبوه في حادث سيارة كان قد اشتراها حديثًا، هذه المرة كان بكاؤه حقيقيًا، ودع أباه والأيام التي لم يكن يهتم فيها لشيء، لأن من كان يحمل مصاعبها عنه قد رحل.