(في منتصف الأسبوع) الماضي تحدثت عن حضورنا في الألعاب الآسيوية والنتائج الجيدة والمشرفة التي ظهرنا بها في الدورة الأخيرة (قوانزو 2010) من خلال ثلاثة اتحادات هي:
ألعاب القوى والفروسية والكاراتيه ــ رغم قصر فترة الإعداد ــ من أصل 28 اتحادا شارك منها 18 اتحادا وأن هذه النتائج تؤكد سيطرتنا وتفوقنا خلال العقد الأول من الألفية الثالثة على عرب آسيا في هذه الألعاب.
وتساءلت:
عما إذا كانت هذه النتائج تعني تطورنا وارتفاع مستوانا في الألعاب الآسيوية.. وذلك من خلال مقارنة نتائجنا في الدورات الثلاث الأخيرة (2002 , 2006 , 2010) مشيرا إلى أن نتائجنا في الدوحة 2004 هي الأفضل على الإطلاق حتى الآن.. خاصة في مجال العاب القوى التي تراجعت الحصيلة الذهبية فيها.. مؤكدا.. على أن الفوز بالميدالية أو خسارتها لا يعني تطورا.. أو تراجعا.. بقدر ما يدل على التفوق فقط.. معللا ذلك بأن لاعب اللعبة الفردية خاصة في العاب القوى يحتاج لمواصفات خاصة.. وأن تسجيل الرقم أو تحطيمه أيضا يحتاج لأجواء معينة.. وعوامل نفسية.. توافق عضلي وعصبي.. لحظة الانطلاق.. طريقته.. إلخ.. وهي أمور تؤثر في الجزء من الثانية.
كما أشرت إلى عوامل أخرى من أهمها الدعم المادي.. محاسبة المقصرين.. أهمية التخصص والكفاءة في نجاح العمل.. إلخ! من أمور لا تخفى على كثيرين.. كما تطرقت إلى التفوق الإيراني في هذه الألعاب.. وأنهم قادمون بقوة.. الخ.. ما تحدثت عنه في ذلك المقال..
والسؤال المطروح الآن
أين نحن من هذه الألعاب بمعنى آخر.. أين نحن من تطور الآخرين؟
بداية.. لابد من إلقاء نظرة تاريخية.. وتعريفية على الألعاب الآسيوية وأبطالها وأبرز محطاتها بصورة موجزة.
نبذة تاريخية
كان مقررا أن تنطلق الألعاب الآسيوية عام 1950 من نيودلهي في الهند حيث كان صاحب الفكرة جورو سوندهاي رئيس اللجنة الأولمبية الهندية آنذاك وبدعم من رئيسها جواهر لال نهرو..إلا أنها تأجلت عاما واحدا بسبب الظروف الاقتصادية.
ثم انتظمت بعد ذلك كل أربع سنوات بدءا من 1954 وحتى يومنا هذا.. شارك في أول دورة 11 دولة هم الأعضاء المؤسسون للاتحاد الآسيوي الذي أصبح فيما بعد ذلك المجلس الأولمبي الآسيوي أبرزها اليابان والهند وإيران التي احتلت المراكز الثلاثة الأولى حسب الترتيب.. أما الدول الأخرى فليس لها حضورها البارز في الوقت الحالي.. فيما لم تشارك الصين وكوريا الجنوبية.
اليابان..
سيطرت اليابان على هذه الألعاب بصورة واضحة منذ نشأتها وحتى الدورة الثامنة في بانكوك 1978
كوريا الجنوبية..
شاركت كوريا لأول مرة في الدورة الثانية 1954 في الفلبين واحتلت المركز الثالث بعد اليابان والمستضيف.. وظلت تتأرجح في المراكز الأربعة الأولى حتى عام 1978 حيث استقرت في المراكز الثلاثة الأولى.
الصين..
شاركت لأول مرة في الدورة السابعة طهران 1974 بديلا لتايوان بعد استبعاد الأخيرة.. واحتلت المركز الثالث بعد اليابان وإيران البلد المستضيف.. وقفزت للمركز الثاني في دوة 1978 في بانكوك ثم المركز الأول في الدورة التاسعة بالهند 1982 وظلت مسيطرة عليه حتى الآن.
الثلاثة الأوائل..
منذ الدورة الثامنة 1978 وحتى تأريخه تتصدر الصين الألعاب.. يليها كوريا الجنوبية واليابان بالتناوب.. ومنذ دورة 1998 بقي الترتيب على النحو التالي.. الصين.. كوريا الجنوبية.. اليابان.. ويبدو أن هذا الترتيب سيظل على ما هو عليه إلا إذا رأت اليابان غير ذلك.. فيما لن تجد الصين أي منافسة.. حيث يزداد الفارق في رصيد الميداليات تباعدا مع كل دورة.. خاصة وأن رصيدها من الذهب يزيد عن ضعف رصيد اقرب منافسيها..
إيران.. والآسياد
في الدورات الست الأولى.. كانت إيران تحضر وتغيب حسب الظروف. وفي دورة 1974 حققت أفضل نتيجة لها على مدى تاريخ الألعاب حيث احتلت المركز الثاني بعد اليابان وبرصيد 82 ميدالية منها 36 ذهبية.. وهذا أمر طبيعي كونها البلد المستضيف.. لتنتظم مشاركاتها بعد هذا التاريخ. وفي جميع الدورات.. كانت إيران ضمن الدول العشر الأوائل في الرصيد النهائي للميداليات
العرب.. والآسياد
شاركت الدول العربية لأول مرة في الألعاب الآسيوية عام 1974 في طهران.. ممثلة في العراق التي فازت بست ميداليات منها واحدة ذهبية وخمس برونزيات , والكويت التي فازت بميدالية فضية والبحرين التي لم تفز بشيء. وفي 1978.. فازت العراق بـ12 ميدالية منها ذهبيتان إحداهما في كرة القدم.. وفي هذه الدورة توسعت المشاركة العربية لتشمل معظم الدول العربية في آسيا. وأفضل نتيجة عربية من حيث الترتيب حققتها قطر في دورة بكين 1990 عندما جاءت في المركز السابع بـ3 ذهبيات من أصل 6 ميداليات.. والترتيب نفسه في دورة الدوحة2006 ولكن بـ9 ذهبيات من أصل 32 ميدالية فازت بها. لكن المشاركة العربية خصوصا الخليجية ظلت دون مستوى الطموحات.. فغابت العراق عن الفوز بأي ميدالية بعد دورة 1982.. كما غابت لبنان بعد فوزها بميدالية ذهبية وبرونزية في دورة 1986.. بحكم الأوضاع السياسية في البلدين.
ومنذ دورة 1998..
أي الدورات الأربع الأخيرة.. أصبحت المملكة العربية السعودية , قطر , البحرين , الكويت حسب الترتيب هي صاحبة الحضور الأفضل في الألعاب.. ولم تخل أي دورة من فوز أي منها بأكثر من ميدالية ذهبية.. وغابت السعودية عن دورة 1998.. التي أقيمت في بانكوك وحضرت الإمارات في دورة 2006 في الدوحة بصورة جيدة.. وفازت بـ15 ميداليات منها 3 ذهبيات.. لكنها غابت فيما بعد.
نحن.. والآسياد
شاركت المملكة لأول مرة في الألعاب الآسيوية في الدورة الثامنة بانكوك 1978 بوفد كبير في معظم الألعاب لكن دون نتيجة تذكر.
والحال كذلك في آسياد 1982 في الهند. وفي سينول 1986 فزنا بأول ميدالية.. وكانت فضية.. وكانت في لعبة التايكوندو.. رغم كثافة الوفد السعودي.. وجاء ترتيبنا الـ19. وفي 1990برونزية.. ولا شيء في 1994.
قفزة 2002
وبدءاً من على 2002 شهدت مشاركتنا في الآسياد طفرة في الميداليات.. خاصة في العاب القوى.. والفروسية وغابت اتحادات وحضرت أخرى.. هذا التطور جاء نتيجة القناعة بالألعاب الفردية والاهتمام بها.. بعد أن كان الاهتمام يتركز على كرة القدم فقط وجاءت حصيلتنا كالتالي..
2002.. 9 ميداليات منها 7 ذهبيات والترتيب الـ11
2006.. 14 ميدالية منها 8 ذهبيات والترتيب الـ11
2010.. 13 ميدالية منها 5 ذهبيات والترتيب الـ13
وتعتبر الرياضة السعودية هي الأفضل مشاركة بين الدول العربية في الدورات الثلاث الأخيرة.. حيث تتصدر الترتيب العربي. ويأتي تميز المشاركة السعودية.. من ناحيتين:
الأولى :
اعتمادها على العنصر الوطني.. وسواعد أبنائها دون اللجوء إلى التجنيس.. كما عمدت بعض الدول.
الثانية :
عدم مشاركة العنصر النسائي.. وهو الذي ساهم في رفع رصيد بعض المنتخبات من الميداليات.
والنتيجة
بعد هذا السرد.. وإن كان طويلا بعض الشيء إلا أننا نخلص منه إلى ثلاث حقائق هامة:
ـ استمرار
تفوق شرق آسيا ممثلة في الصين, كوريا الجنوبية , واليابان حسب الترتيب على المدى المنظور.. وربما أبعد من ذلك.. وتغريدهم خارج السرب.. وتغريد الصين.. خارج هذا السرب الثلاثي.
ـ قدوم
إيران بقوة.. وإمكانية استمرارها خلف هذا الثلاثي..
ـ مراوحة
المشاركة العربية.. واقتصارها على دول معينة.. وتحسنها التدريجي ولكن ببطء.
ومن هنا نتساءل..
لماذا استطاع ذلك الثلاثي التفوق.. وبهذه الصورة بعيدا عن الآخرين؟
وكيف استطاعت إيران أن تتحرك.. وتفرض نفسها في الدورة الأخيرة؟
ولماذا.. تتواضع مشاركاتنا كدول عربية وتتذبذب؟
وهل نحن قادرون على صناعة تفوق أفضل؟
بمعنى.. هل في الإمكان أحسن مما كان؟
هذه هي الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها.. في هذا المقام..
لن أجيب هنا.. عن كل سؤال بمفرده.. بقدر ما سأتحدث بصورة عامة.. ومنها نستطيع أن نصل إلى الإجابة على تلك الأسئلة.. مع التحديد عندما يستدعي الأمر ذلك..
لعل من أبرز الأسباب.. وأهمها:
أولاً: الثقافة العامة.. والوعي بالرياضة كمفهوم وكممارسة سواء كان ذلك لدى الفرد أو المجتمع بصورة عامة.. فالرياضة لديهم جزء من حياة الفرد.. وهي حلقة في منظومة التنمية في البلد وتمثل رافدا اقتصاديا هاما.. وهذا ما لا نلمسه في دولنا عامة.. فالبعض لدينا لا زال ينظر للرياضة نظرة دونية.. وأن الصرف عليها نوع من الهدر المالي.. حتى على مستوى الممارسة الشخصية.. هناك تفرقة ونظرة مختلفة تجاه هذا الحق.. الشخصي..
هناك..
الرياضة في كل مكان.. وعلى قارعة الطريق.. وفي كل ميدان.. وهي جزء من حياة الفرد وثقافته كما أشرت.. لدينا الميادين والساحات البيضاء.. والتعذر بضيق الوقت.. وقصرها على الأندية الرياضية.
الإنسان..
يهتم بصحته وغذائه.. وهنا.. تنتشر لدينا الكثير من أمراض العصر.. وثمة أرقاما مخيفة حتى بين الشباب.. وفي مختلف الجنسين..
ولعلنا هنا نشير إلى خطوة أمانة منطقة الرياض وجهود أمينها الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف.. بنشر الميادين ومضامير المشي والحدائق المفتوحة.. ومشروع الـ100 ساحة وقد سبق أن تحدثت عن ذلك في مقال خاص.. لكنها لا تكفي ما لم تكن هناك جهود أخرى من جهات لها علاقة ومساس مباشر بالأمر.
ثانيا: الاهتمام الذي تلقاه الرياضة عموما.. والرياضي المتفوق على وجه الخصوص.. سواء من قبل الحكومات.. أو القطاع الخاص.
في الصين
مثلا.. وهي البلد الذي لا زال متأثرا بنظامه السياسي.. يحصل كل رياضي يسجل رقما قياسيا جديدا على مكافأة مالية قدرها (10.000) عشرة آلاف دولار.
و في إيران.. يحصل كل رياضي يحقق ميدالية ذهبية على مكافأة مالية قدرها 10.000 عشرة آلاف دولار.. هذا على الصعيد النقدي المباشر عدا المسكن شقة كانت او منزلا والسيارة بالإضافة إلى العديد من الميزات والمكافآت من جهات أخرى.
ومن الطبيعي أن يحصل الياباني والكوري..على أكثر من ذلك.. بحكم قوة الاقتصاد.. ودعم القطاع الخاص.. والناتج القومي.. هذا عدا الصرف على الرياضي وإعداده للبطولات على مدى سنوات والتخطيط بعيد المدى.. في حين يقتصر الإعداد لدينا على معسكرين داخلي وخارجي ولمدد ترفيهية أكثر منها إعدادية تسبق المشاركة بفترة قصيرة.. ولعل ما حصل في الأولمبياد الأخير خير دليل ومع ذلك حققنا هذه النتائج.. مما يعني أن صناعة البطل وفوزه يكلف مبالغ طائلة تدخل في خانة الأصفار الستة..
الصقر الأولمبي
ولابد هنا.. أن نشير إلى برنامج الصقر الأولمبي الذي أعلنت عنه اللجنة الأولمبية السعودية العام الماضي.. لتحضير الرياضيين وإعدادهم لأولمبياد لندن 2012 ونظام المكافآت والحوافز التشجيعية حيث يحصل المتأهل للأولمبياد على مكافأة 100.000 مائة ألف ريال.. ما يعادل حوالي 27000 سبعة وعشرين ألف دولار.. ويحصل الفائز بميدالية ذهبية على مكافأة اقل.. وهي خطوة جيدة تحسب للجنة الأولمبية وللأمير سلطان بن فهد رئيس اللجنة والأمير نواف بن فيصل نائب الرئيس كبداية في تكريم الرياضيين وتقديرهم...
ونتحدث أيضا..
عن غياب القطاع الخاص.. ودعمه للرياضة والرياضيين.. وان يقتصر ذلك على ثلاث شركات فقط.. تعمل في مجال واحد.. هو الاتصالات.. متسائلين عن شركات كبرى داعمة للاقتصاد المحلي مثل سابك.. ارامكو.. وغيرها.. والبنوك.
ثالثا: انهم يهتمون بالموهبة الرياضية ورعايتها منذ الصغر وفي المدارس.. فيما يبدأ اهتمامنا بالرياضي بعد أن يشب طوقه ويصعب تطويعه.. وربما تتوارى موهبته.
المدرسة لدينا مهملة.. ومعلم التربية الرياضية يتم تقييمه بناء على انتظام طابور الصباح.. وتكامل دفتر التحضير حتى لو حصل عليه جاهزا من أقرب مكتبة. وقد تحدثت عن ذلك في مقال سابق وخاص.. حول تسليم المرافق التعليمية للقطاع الخاص.. الذي يتولى إنشاءها وفق موافقات خاصة تحتوي على كافة المرافق.. مقابل استثمارها في الفترة المسائية لعدد معين من السنوات.. كمراكز رياضية واجتماعية لأبناء الحي..
رابعا: ان البحث عن الموهبة وإعداد الرياضي يخضع لدراسات علمية ومواصفات.. فمواصفات لاعب الوثب تختلف عن متسابق الجري.. وحتى المتسابقين فيما يتعلق بالمسافات القصيرة أو الطويلة من حيث قدرة التحمل والتركيب الفسيولوجي.. كما أن للبيئة الجغرافية أثرها في تكوين اللاعب وتحديد توجهاته وإمكاناته.. والحديث يطول عن هذه الناحية.
خامسا: آن الأوان.. لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب في اتحاداتنا الرياضية.. والاستفادة من الكفاءات المتخصصة والمؤهلة بعيدا عن العلاقات الشخصية.. ولعل مراجعة لنتاج الاتحادات الرياضية في السنوات الأخيرة يعطي دلالة ومؤشرا واضحا لذلك.. وأن تكون المشاركة في الدورات الآسيوية والأولمبية مقننة ولمن يستحقون هذه المشاركة والدعم.. ولا عزاء لمن يتخذونها سياحة.. وتحقيقا للذات.. والمجد الشخصي.
والحديث هنا يطول.. وقد يكون له توقيت آخر.. وفق الظروف.
مؤتمر
الرياضة والاقتصاد
خامسا.. وهذا هو المهم..
آن الأوان أيضا.. لعقد مؤتمر عام.. أو ورشة عمل تتبناه الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. أو اللجنة الأولمبية يجمع أطرافا مهتمة بالرياضة.. والاقتصاد.. مثل رعاية الشباب.. اللجنة الأولمبية.. مجلس الغرف التجارية.. الشركات الكبرى.. القطاع المصرفي.. وأفرادا مهتمون بهذا الشأن.. بحيث تقدم هذه الجهات أوراق عمل توضح رؤيتها لهذا المجال.. ماذا يريد الاقتصاديون.. رجال الأعمال.. من القطاع الرياضي..؟
ما هي المعوقات التي تقف وراء عدم دعمهم لهذا القطاع.. ورعايته للرياضيين.. وما هي الحلول المناسبة لذلك..؟
وماذا يريد القطاع الرياضي منهم.
كل هذه التساؤلات وغيرها.. بهدف وضع إستراتيجية متكاملة بين القطاعين مبنية على الثقة.. ومصلحة كل الأطراف.. للنهوض بالرياضة.. والاهتمام بالرياضيين.. إذ.. لا يمكن أن يقف دعم هذا القطاع.. ورعايته على شركات محدودة.. وفي مجال واحد.. والله من وراء القصد
ألعاب القوى والفروسية والكاراتيه ــ رغم قصر فترة الإعداد ــ من أصل 28 اتحادا شارك منها 18 اتحادا وأن هذه النتائج تؤكد سيطرتنا وتفوقنا خلال العقد الأول من الألفية الثالثة على عرب آسيا في هذه الألعاب.
وتساءلت:
عما إذا كانت هذه النتائج تعني تطورنا وارتفاع مستوانا في الألعاب الآسيوية.. وذلك من خلال مقارنة نتائجنا في الدورات الثلاث الأخيرة (2002 , 2006 , 2010) مشيرا إلى أن نتائجنا في الدوحة 2004 هي الأفضل على الإطلاق حتى الآن.. خاصة في مجال العاب القوى التي تراجعت الحصيلة الذهبية فيها.. مؤكدا.. على أن الفوز بالميدالية أو خسارتها لا يعني تطورا.. أو تراجعا.. بقدر ما يدل على التفوق فقط.. معللا ذلك بأن لاعب اللعبة الفردية خاصة في العاب القوى يحتاج لمواصفات خاصة.. وأن تسجيل الرقم أو تحطيمه أيضا يحتاج لأجواء معينة.. وعوامل نفسية.. توافق عضلي وعصبي.. لحظة الانطلاق.. طريقته.. إلخ.. وهي أمور تؤثر في الجزء من الثانية.
كما أشرت إلى عوامل أخرى من أهمها الدعم المادي.. محاسبة المقصرين.. أهمية التخصص والكفاءة في نجاح العمل.. إلخ! من أمور لا تخفى على كثيرين.. كما تطرقت إلى التفوق الإيراني في هذه الألعاب.. وأنهم قادمون بقوة.. الخ.. ما تحدثت عنه في ذلك المقال..
والسؤال المطروح الآن
أين نحن من هذه الألعاب بمعنى آخر.. أين نحن من تطور الآخرين؟
بداية.. لابد من إلقاء نظرة تاريخية.. وتعريفية على الألعاب الآسيوية وأبطالها وأبرز محطاتها بصورة موجزة.
نبذة تاريخية
كان مقررا أن تنطلق الألعاب الآسيوية عام 1950 من نيودلهي في الهند حيث كان صاحب الفكرة جورو سوندهاي رئيس اللجنة الأولمبية الهندية آنذاك وبدعم من رئيسها جواهر لال نهرو..إلا أنها تأجلت عاما واحدا بسبب الظروف الاقتصادية.
ثم انتظمت بعد ذلك كل أربع سنوات بدءا من 1954 وحتى يومنا هذا.. شارك في أول دورة 11 دولة هم الأعضاء المؤسسون للاتحاد الآسيوي الذي أصبح فيما بعد ذلك المجلس الأولمبي الآسيوي أبرزها اليابان والهند وإيران التي احتلت المراكز الثلاثة الأولى حسب الترتيب.. أما الدول الأخرى فليس لها حضورها البارز في الوقت الحالي.. فيما لم تشارك الصين وكوريا الجنوبية.
اليابان..
سيطرت اليابان على هذه الألعاب بصورة واضحة منذ نشأتها وحتى الدورة الثامنة في بانكوك 1978
كوريا الجنوبية..
شاركت كوريا لأول مرة في الدورة الثانية 1954 في الفلبين واحتلت المركز الثالث بعد اليابان والمستضيف.. وظلت تتأرجح في المراكز الأربعة الأولى حتى عام 1978 حيث استقرت في المراكز الثلاثة الأولى.
الصين..
شاركت لأول مرة في الدورة السابعة طهران 1974 بديلا لتايوان بعد استبعاد الأخيرة.. واحتلت المركز الثالث بعد اليابان وإيران البلد المستضيف.. وقفزت للمركز الثاني في دوة 1978 في بانكوك ثم المركز الأول في الدورة التاسعة بالهند 1982 وظلت مسيطرة عليه حتى الآن.
الثلاثة الأوائل..
منذ الدورة الثامنة 1978 وحتى تأريخه تتصدر الصين الألعاب.. يليها كوريا الجنوبية واليابان بالتناوب.. ومنذ دورة 1998 بقي الترتيب على النحو التالي.. الصين.. كوريا الجنوبية.. اليابان.. ويبدو أن هذا الترتيب سيظل على ما هو عليه إلا إذا رأت اليابان غير ذلك.. فيما لن تجد الصين أي منافسة.. حيث يزداد الفارق في رصيد الميداليات تباعدا مع كل دورة.. خاصة وأن رصيدها من الذهب يزيد عن ضعف رصيد اقرب منافسيها..
إيران.. والآسياد
في الدورات الست الأولى.. كانت إيران تحضر وتغيب حسب الظروف. وفي دورة 1974 حققت أفضل نتيجة لها على مدى تاريخ الألعاب حيث احتلت المركز الثاني بعد اليابان وبرصيد 82 ميدالية منها 36 ذهبية.. وهذا أمر طبيعي كونها البلد المستضيف.. لتنتظم مشاركاتها بعد هذا التاريخ. وفي جميع الدورات.. كانت إيران ضمن الدول العشر الأوائل في الرصيد النهائي للميداليات
العرب.. والآسياد
شاركت الدول العربية لأول مرة في الألعاب الآسيوية عام 1974 في طهران.. ممثلة في العراق التي فازت بست ميداليات منها واحدة ذهبية وخمس برونزيات , والكويت التي فازت بميدالية فضية والبحرين التي لم تفز بشيء. وفي 1978.. فازت العراق بـ12 ميدالية منها ذهبيتان إحداهما في كرة القدم.. وفي هذه الدورة توسعت المشاركة العربية لتشمل معظم الدول العربية في آسيا. وأفضل نتيجة عربية من حيث الترتيب حققتها قطر في دورة بكين 1990 عندما جاءت في المركز السابع بـ3 ذهبيات من أصل 6 ميداليات.. والترتيب نفسه في دورة الدوحة2006 ولكن بـ9 ذهبيات من أصل 32 ميدالية فازت بها. لكن المشاركة العربية خصوصا الخليجية ظلت دون مستوى الطموحات.. فغابت العراق عن الفوز بأي ميدالية بعد دورة 1982.. كما غابت لبنان بعد فوزها بميدالية ذهبية وبرونزية في دورة 1986.. بحكم الأوضاع السياسية في البلدين.
ومنذ دورة 1998..
أي الدورات الأربع الأخيرة.. أصبحت المملكة العربية السعودية , قطر , البحرين , الكويت حسب الترتيب هي صاحبة الحضور الأفضل في الألعاب.. ولم تخل أي دورة من فوز أي منها بأكثر من ميدالية ذهبية.. وغابت السعودية عن دورة 1998.. التي أقيمت في بانكوك وحضرت الإمارات في دورة 2006 في الدوحة بصورة جيدة.. وفازت بـ15 ميداليات منها 3 ذهبيات.. لكنها غابت فيما بعد.
نحن.. والآسياد
شاركت المملكة لأول مرة في الألعاب الآسيوية في الدورة الثامنة بانكوك 1978 بوفد كبير في معظم الألعاب لكن دون نتيجة تذكر.
والحال كذلك في آسياد 1982 في الهند. وفي سينول 1986 فزنا بأول ميدالية.. وكانت فضية.. وكانت في لعبة التايكوندو.. رغم كثافة الوفد السعودي.. وجاء ترتيبنا الـ19. وفي 1990برونزية.. ولا شيء في 1994.
قفزة 2002
وبدءاً من على 2002 شهدت مشاركتنا في الآسياد طفرة في الميداليات.. خاصة في العاب القوى.. والفروسية وغابت اتحادات وحضرت أخرى.. هذا التطور جاء نتيجة القناعة بالألعاب الفردية والاهتمام بها.. بعد أن كان الاهتمام يتركز على كرة القدم فقط وجاءت حصيلتنا كالتالي..
2002.. 9 ميداليات منها 7 ذهبيات والترتيب الـ11
2006.. 14 ميدالية منها 8 ذهبيات والترتيب الـ11
2010.. 13 ميدالية منها 5 ذهبيات والترتيب الـ13
وتعتبر الرياضة السعودية هي الأفضل مشاركة بين الدول العربية في الدورات الثلاث الأخيرة.. حيث تتصدر الترتيب العربي. ويأتي تميز المشاركة السعودية.. من ناحيتين:
الأولى :
اعتمادها على العنصر الوطني.. وسواعد أبنائها دون اللجوء إلى التجنيس.. كما عمدت بعض الدول.
الثانية :
عدم مشاركة العنصر النسائي.. وهو الذي ساهم في رفع رصيد بعض المنتخبات من الميداليات.
والنتيجة
بعد هذا السرد.. وإن كان طويلا بعض الشيء إلا أننا نخلص منه إلى ثلاث حقائق هامة:
ـ استمرار
تفوق شرق آسيا ممثلة في الصين, كوريا الجنوبية , واليابان حسب الترتيب على المدى المنظور.. وربما أبعد من ذلك.. وتغريدهم خارج السرب.. وتغريد الصين.. خارج هذا السرب الثلاثي.
ـ قدوم
إيران بقوة.. وإمكانية استمرارها خلف هذا الثلاثي..
ـ مراوحة
المشاركة العربية.. واقتصارها على دول معينة.. وتحسنها التدريجي ولكن ببطء.
ومن هنا نتساءل..
لماذا استطاع ذلك الثلاثي التفوق.. وبهذه الصورة بعيدا عن الآخرين؟
وكيف استطاعت إيران أن تتحرك.. وتفرض نفسها في الدورة الأخيرة؟
ولماذا.. تتواضع مشاركاتنا كدول عربية وتتذبذب؟
وهل نحن قادرون على صناعة تفوق أفضل؟
بمعنى.. هل في الإمكان أحسن مما كان؟
هذه هي الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها.. في هذا المقام..
لن أجيب هنا.. عن كل سؤال بمفرده.. بقدر ما سأتحدث بصورة عامة.. ومنها نستطيع أن نصل إلى الإجابة على تلك الأسئلة.. مع التحديد عندما يستدعي الأمر ذلك..
لعل من أبرز الأسباب.. وأهمها:
أولاً: الثقافة العامة.. والوعي بالرياضة كمفهوم وكممارسة سواء كان ذلك لدى الفرد أو المجتمع بصورة عامة.. فالرياضة لديهم جزء من حياة الفرد.. وهي حلقة في منظومة التنمية في البلد وتمثل رافدا اقتصاديا هاما.. وهذا ما لا نلمسه في دولنا عامة.. فالبعض لدينا لا زال ينظر للرياضة نظرة دونية.. وأن الصرف عليها نوع من الهدر المالي.. حتى على مستوى الممارسة الشخصية.. هناك تفرقة ونظرة مختلفة تجاه هذا الحق.. الشخصي..
هناك..
الرياضة في كل مكان.. وعلى قارعة الطريق.. وفي كل ميدان.. وهي جزء من حياة الفرد وثقافته كما أشرت.. لدينا الميادين والساحات البيضاء.. والتعذر بضيق الوقت.. وقصرها على الأندية الرياضية.
الإنسان..
يهتم بصحته وغذائه.. وهنا.. تنتشر لدينا الكثير من أمراض العصر.. وثمة أرقاما مخيفة حتى بين الشباب.. وفي مختلف الجنسين..
ولعلنا هنا نشير إلى خطوة أمانة منطقة الرياض وجهود أمينها الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف.. بنشر الميادين ومضامير المشي والحدائق المفتوحة.. ومشروع الـ100 ساحة وقد سبق أن تحدثت عن ذلك في مقال خاص.. لكنها لا تكفي ما لم تكن هناك جهود أخرى من جهات لها علاقة ومساس مباشر بالأمر.
ثانيا: الاهتمام الذي تلقاه الرياضة عموما.. والرياضي المتفوق على وجه الخصوص.. سواء من قبل الحكومات.. أو القطاع الخاص.
في الصين
مثلا.. وهي البلد الذي لا زال متأثرا بنظامه السياسي.. يحصل كل رياضي يسجل رقما قياسيا جديدا على مكافأة مالية قدرها (10.000) عشرة آلاف دولار.
و في إيران.. يحصل كل رياضي يحقق ميدالية ذهبية على مكافأة مالية قدرها 10.000 عشرة آلاف دولار.. هذا على الصعيد النقدي المباشر عدا المسكن شقة كانت او منزلا والسيارة بالإضافة إلى العديد من الميزات والمكافآت من جهات أخرى.
ومن الطبيعي أن يحصل الياباني والكوري..على أكثر من ذلك.. بحكم قوة الاقتصاد.. ودعم القطاع الخاص.. والناتج القومي.. هذا عدا الصرف على الرياضي وإعداده للبطولات على مدى سنوات والتخطيط بعيد المدى.. في حين يقتصر الإعداد لدينا على معسكرين داخلي وخارجي ولمدد ترفيهية أكثر منها إعدادية تسبق المشاركة بفترة قصيرة.. ولعل ما حصل في الأولمبياد الأخير خير دليل ومع ذلك حققنا هذه النتائج.. مما يعني أن صناعة البطل وفوزه يكلف مبالغ طائلة تدخل في خانة الأصفار الستة..
الصقر الأولمبي
ولابد هنا.. أن نشير إلى برنامج الصقر الأولمبي الذي أعلنت عنه اللجنة الأولمبية السعودية العام الماضي.. لتحضير الرياضيين وإعدادهم لأولمبياد لندن 2012 ونظام المكافآت والحوافز التشجيعية حيث يحصل المتأهل للأولمبياد على مكافأة 100.000 مائة ألف ريال.. ما يعادل حوالي 27000 سبعة وعشرين ألف دولار.. ويحصل الفائز بميدالية ذهبية على مكافأة اقل.. وهي خطوة جيدة تحسب للجنة الأولمبية وللأمير سلطان بن فهد رئيس اللجنة والأمير نواف بن فيصل نائب الرئيس كبداية في تكريم الرياضيين وتقديرهم...
ونتحدث أيضا..
عن غياب القطاع الخاص.. ودعمه للرياضة والرياضيين.. وان يقتصر ذلك على ثلاث شركات فقط.. تعمل في مجال واحد.. هو الاتصالات.. متسائلين عن شركات كبرى داعمة للاقتصاد المحلي مثل سابك.. ارامكو.. وغيرها.. والبنوك.
ثالثا: انهم يهتمون بالموهبة الرياضية ورعايتها منذ الصغر وفي المدارس.. فيما يبدأ اهتمامنا بالرياضي بعد أن يشب طوقه ويصعب تطويعه.. وربما تتوارى موهبته.
المدرسة لدينا مهملة.. ومعلم التربية الرياضية يتم تقييمه بناء على انتظام طابور الصباح.. وتكامل دفتر التحضير حتى لو حصل عليه جاهزا من أقرب مكتبة. وقد تحدثت عن ذلك في مقال سابق وخاص.. حول تسليم المرافق التعليمية للقطاع الخاص.. الذي يتولى إنشاءها وفق موافقات خاصة تحتوي على كافة المرافق.. مقابل استثمارها في الفترة المسائية لعدد معين من السنوات.. كمراكز رياضية واجتماعية لأبناء الحي..
رابعا: ان البحث عن الموهبة وإعداد الرياضي يخضع لدراسات علمية ومواصفات.. فمواصفات لاعب الوثب تختلف عن متسابق الجري.. وحتى المتسابقين فيما يتعلق بالمسافات القصيرة أو الطويلة من حيث قدرة التحمل والتركيب الفسيولوجي.. كما أن للبيئة الجغرافية أثرها في تكوين اللاعب وتحديد توجهاته وإمكاناته.. والحديث يطول عن هذه الناحية.
خامسا: آن الأوان.. لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب في اتحاداتنا الرياضية.. والاستفادة من الكفاءات المتخصصة والمؤهلة بعيدا عن العلاقات الشخصية.. ولعل مراجعة لنتاج الاتحادات الرياضية في السنوات الأخيرة يعطي دلالة ومؤشرا واضحا لذلك.. وأن تكون المشاركة في الدورات الآسيوية والأولمبية مقننة ولمن يستحقون هذه المشاركة والدعم.. ولا عزاء لمن يتخذونها سياحة.. وتحقيقا للذات.. والمجد الشخصي.
والحديث هنا يطول.. وقد يكون له توقيت آخر.. وفق الظروف.
مؤتمر
الرياضة والاقتصاد
خامسا.. وهذا هو المهم..
آن الأوان أيضا.. لعقد مؤتمر عام.. أو ورشة عمل تتبناه الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. أو اللجنة الأولمبية يجمع أطرافا مهتمة بالرياضة.. والاقتصاد.. مثل رعاية الشباب.. اللجنة الأولمبية.. مجلس الغرف التجارية.. الشركات الكبرى.. القطاع المصرفي.. وأفرادا مهتمون بهذا الشأن.. بحيث تقدم هذه الجهات أوراق عمل توضح رؤيتها لهذا المجال.. ماذا يريد الاقتصاديون.. رجال الأعمال.. من القطاع الرياضي..؟
ما هي المعوقات التي تقف وراء عدم دعمهم لهذا القطاع.. ورعايته للرياضيين.. وما هي الحلول المناسبة لذلك..؟
وماذا يريد القطاع الرياضي منهم.
كل هذه التساؤلات وغيرها.. بهدف وضع إستراتيجية متكاملة بين القطاعين مبنية على الثقة.. ومصلحة كل الأطراف.. للنهوض بالرياضة.. والاهتمام بالرياضيين.. إذ.. لا يمكن أن يقف دعم هذا القطاع.. ورعايته على شركات محدودة.. وفي مجال واحد.. والله من وراء القصد