|


عبدالله الضويحي
نعم أخطأ كوزمين ولكن!!
2009-03-03
القرار صدر..!!
وكوزمين غادر المملكة نهائياً..!!
لكن ردود الفعل ظلت قائمة، وستظل فترة ليست بالقصيرة، وربما دائمة لدى البعض..!!
وتباينت هذه الردود، كأي قرار يمس شريحة هامة وكبيرة من مجتمع ما، ويلامس وجدانهم.!!
ردود الفعل هذه، كما لاحظ كثيرون، أخذت اتجاهات ثلاثة:
ــ الأول:
صفق للقرار بمشاعر ظاهرها التأييد وباطنها التشفي، وربما الفرح، لأنهم رأوا فيه تحقيقا لذاتهم ولهدف سعوا إليه.!!
ـ الثاني:
على النقيض تماماً، مبدين سخطهم من القرار، إذ رأوا فيه سلبا لذاتهم..!! وتدخلاً في إرادتهم وشؤونهم..!
ـ الثالث:
وقف على الحياد، بغض النظر عن موقفه، أو نظرته للقرار، سواء كان معه، أو متحفظاً عليه..!!
ـ والمؤكد..
أن القرار، وما صاحبه من أفعال وردود أفعال كان له صداه، ليس على صعيد المجتمع الرياضي فقط.!! ولكن في عمومه. إذ إن فئة لا تتعاطى مع الشأن الرياضي، ولا تعلم من هو كوزمن؟! إن كان لاعباً، أو مدرباً..!! أخذت تتحدث عنه، وتسأل عن خفايا الموضوع، وأسبابه، وتناقش وتحلل وفق رؤى بعيدة عن الشأن الرياضي وأنظمته، وقوانينه..!
ـ والحقيقة أن كلا من الفئتين الأولى والثانية قد تجاوز المنطق والمقبول في تعاطيه مع الحدث والتعبير عن رؤيته حياله..!!
والمتابع للمشهد الرياضي، والسابر لأغواره يدرك أن فئة ممن صفقوا للقرار، لم يكن هدفهم كوزمين لذاته، بقدر ما كانت نظرتهم لما هو البعد.!!
يدعم هؤلاء، ويعزز من موقفهم رؤاهم التي كانوا يطرحونها، والمتقلبة أو المتغيرة، وفق الظروف، وما يحقق ذاتهم..!! خاصة هذا الموسم، إذ كان كوزمين محل نقدهم، وتحت مجهرهم..!! حتى إذا ما مرت الظروف السابقة على المنتخب، والفراغ الفني تحول في نظرهم إلى بطل منقذ، وأنه الأصلح، وما لبث المؤشر لدى هؤلاء أن عاد إلى سابقه عندما لم يتحقق ذلك..!
هؤلاء.. كان كوزمين بالنسبة لهم هماً، في رؤاهم، وطروحاتهم، وبرامجهم..
ومن الطبيعي.. أن تكون ردة الفعل لدى الجانب الآخر (المقابل)، متناسبة مع هذه الأفعال..!! بل إنها تجاوزت في بعضها، ما هو مقبول..!! وبدأت في البحث عن عناصر ترى أنها السبب المباشر فيما حدث وإن كانت بعيدة كل البعد عن ذلك.!!
لا هذه..
ولا تلك..
حالفها التوفيق ـ من وجهة نظري ، ونظر كثيرين - في التعامل مع الحدث..!! وإقناع أطرافه المختلفة، سواء كوزمين.. أو الهلاليين أو حتى الشارع الرياضي بالقرار..!!
ولا أعتقد أن الموضوع كان يستحق كل هذه الهالة وهذه الأفعال، وردود الأفعال التي خرجت به عن إطار المرسوم، وكان بالإمكان أن يحقق هدفه، ورسالته، دون حدوث ذلك، لو تم التعامل معه، بمنطق وعقلانية.!
خاصة.. وأن كوزمين مشهود له بالكفاءة التدريبية والخلق الرفيع، وتقديره لهذا البلد ومواطنيه حيث صرح بذلك في أكثر من مناسبة وعبر بعض القنوات الرياضية.
ولعل أبرزها، عندما قال : إنه سيشجع المنتخب السعودي ضد منتخب رومانيا، لو التقى معه في كأس العالم.
وبغض النظر عن مضمون التصريح ومشاعره، إلا أنها تشير إلى تقدير الرجل للسعودية كمنتخب وبلد!
هذا إلى جانب ما أحدثه وجوده ونقله لابن جلدته اللاعب رادوي للهلال من ردود فعل جيدة على الكرة السعودية من خلال نقل التلفزيون الروماني لمباريات الهلال، وتغطيته للدوري السعودي، ونقله إلى الجمهور المتلقي هناك، وتعريفهم بالكرة السعودية.
وأعتقد أنه لو تم استدعاء كوزمين وبرفقته مسؤول هلالي إلى مقر اتحاد الكرة في اليوم التالي، وتم شرح الموقف كاملاً له، وكيف نتعامل هنا في هذه البلاد، فيما بيننا كمجتمع، أو في نظرتنا لرموزنا، وقادتنا، واحترامنا للأنظمة، ومن ثم إقراره بخطأ التصرف..!
لو تم ذلك لكان قبوله للقرار أقرب من تحفظه أيا كان القرار سواء بطلبه لاعتذار. أو عقوبات رياضية، من حسم وإنذار وإيقاف، وغرامات، أو حتى ما يتعدى ذلك، كما حصل..!!
على أنه وقبل الدخول إلى القرار وقراءته لا بد من التوقف عند نقطتين هامتين، والتأكيد عليهما:
ـ أولاهما:
أن كوزمين أخطأ سواء في تعامله مع إدارة الملعب، أو عدم صعوده للمنصة، أو خلعه للفانلة ووضعها على الطاولة، حتى وإن نظرنا إلى النسبية في الخطأ بيننا وبين الأوربيين، فما يرونه خطأ قد نراه غير ذلك، والعكس صحيح..!!
ـ والثانية:
إن إدارة الهلال تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فيما حدث!!
فكوزمين غاب عن المؤتمر الذي يسبق المباراة بخطأ إداري، وكان يفترض أن يتم إبلاغه ووضعه في الصورة عن حدث كبير كهذا، والبروتوكول المتبع عادة..!! ومسؤولية الذين يصعدون للمنصة للسلام على راعي اللقاء، هي مسؤولية إدارية، وليست مسؤولية المدرب.
صحيح أن كوزمين قريب من اللاعبين، ويتعامل معهم بحميمية، وأخوة، ومن هذا المنطلق عز عليه عدم تكريمهم، ومشاركتهم الفرحة، لكنه اجتهاد في غير محله، دفع ثمنه غالياً!!
ولو أن المسؤوليات كانت محددة لدى الهلاليين وأن كوزمين يعرف حدد صلاحياته في هذه الظروف لما حدث، ماحدث!!
عموماً..
القرار صدر ـ كما قلت ـ ولعلنا نتوقف قليلاً، عنده في قراءة له، ولحيثياته.
ينص القرار على إنهاء التعاقد مع السيد كوزمين مدرب الهلال، ومغادرته المملكة. ومنع التعاقد معه مستقبلاً، لأسباب ثلاثة ـ كما جاء فيه ـ
أولاً:
رميه للقميص الذي كان يرتديه وجميع الأجهزة الفنية ولاعبي الهلال والذي يحمل صورة ولي العهد يحفظه الله.
ثانياً:
رفضه الصعود للمقصورة الملكية للتشرف بالسلام على راعي المباراة.
ثالثا:
ما قام به من تصرف غير مقبول تجاه رجال الأمن ومسؤولي التنظيم رغم أن هناك تنسيقاً مسبقاً مع الناديين حول إجراءات التنظيم المتبعة في هذه المناسبة وإصراره على مخالفتها.!
هذه هي الأسباب.
ومعنى ذلك أن القرار نتيجة ارتكابه لهذه الأخطاء الثلاثة، وهذا يعني في العرف العام، وفي قانون العقوبات، أن لكل خطأ عقوبة خاصة به وأن مجموع هذه العقوبات وصل إلى الحد الأقصى من العقوبة وهو ما تم اتخاذه.!!
بمعنى..
لو أن كوزمين لم يصعد إلى المقصورة فقط ، هل سيكون القرار بهذه الصورة.؟!
أو..
لو أنه خالف التعليمات ـ فقط ـ بتصرفاته مع رجال الأمن ومسؤولي التنظيم.!!
أو..
لو أنه ارتكب المخالفتين هذه وتلك.!!
من المؤكد أن لكل مخالفة عقوبتها الخاصة بها، والتي تختلف عن الأخرى حسب حجمها، ونوعها.!!
هذا يدفعنا لتساؤل مهم..
.. إذا كان عدم الصعود للمقصورة والتشرف بالسلام على راعي اللقاء مخالفة يعاقب عليها القائم بها، فماذا عن رئيس ناد في نهائي كأس ولي العهد وبحضوره يحفظه الله خرج من الملعب قبل التتويج ولم يصعد مع فريقه الذي خسر المباراة.؟!
وماذا عن مشرف كرة..؟! لم يصعد هو الآخر..؟!
بل..
وعن لاعبين في نفس النهائي من فريق الشباب لم يصعدوا للمقصورة.!!
هل الخسارة تؤدي إلى ردة الفعل هذه؟!
وهل هي مبرر لعدم السلام على راعي اللقاء..؟!
وماذا عن آخرين ارتكبوا مخالفات أخرى مشابهة!!
أنا لا أطالب بمساواتهم بكوزمين.. مثلا.. ولكن على الأقل معاقبتهم بما يتناسب وحجم الخطأ.!!
هذه الاختلافات.. وهذا التفاوت في القرارات والعقوبات هو ما يجعل ردود الفعل تتولد وتخرج لدى المتضرر ونظرته للقرار..!
هذه ناحية.
والأخرى:
وقد سبق أن تطرقت لها تحت عنوان (ثقافة العقوبات)، وهي تتعلق بالعقوبة، وكيفية التعامل معها، ومرتكبها، ومراعاة كافة الجوانب المتعلقة بها، وأهمية مساءلة (المتهم)، ومعرفة الأسباب والدوافع، حتى يكون لها صداها، وتحقق هدفها ورسالتها.
والعقوبات في نظري نوعان:ـ
الأول:
ما يتعلق بالحدود، كالسرقة، والقصاص، وغيرها، هذه لا مجال للتدرج فيها، أو لفت النظر والتسامح، ويمكن أن يقاس عليها، بعض الأخطاء التي تمس جوهرا معيناً، أو خلافه، مما يستدعي اتخاذ العقوبة الأعلى بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة.

ـ النوع الآخر:
عقوبة متدرجة، تبدأ بلفت النظر مثلا، أو عقوبة أخف، تأخذ في الزيادة عند تكرار الخطأ، كما حصل في قصة سيدنا موسى مع الخضر، الذي تجاوز عنه مرتين وفي الثالثة قال له (هذا فراق بيني وبينك).
أو ما يحصل في العقوبات الإدارية.
وحتى في كرة القدم مع احتساب ضربة حرة، إلى لفت نظر، أو إنذار، أو طرد، وأحياناً الطرد المباشر حسب درجة الخطأ.!
الأمر الآخر..
إن أية عقوبة لها أبعادها المختلفة التي يجب أن يراعيها المشرع، فهناك البعد الاجتماعي، والبعد الاقتصادي، وفي العصر الحديث يمكن إضافة البعد السياسي..!
وهناك التأثيرات الجانبية، ففي المجال الكروي، يأتي إبعاد مدرب ناجح، ليؤثر سلبا على الوضع العام..
على سبيل المثال: فإن فريقا كالهلال يستعد لتمثيل المملكة في آسيا ونجاحه نجاح للكرة السعودية ويمد المنتخب بنصف لاعبيه، وربما أكثر، يأتي إبعاد مدربه الذي صنع هؤلاء النجوم، ليؤثر على استقرار الفريق ومرحلته القادمة.!!
وكان بالإمكان اتخاذ قرارات صارمة أخرى تحفظ للجميع حقوقهم، وتشعر المخطئ بحجم خطئه!!
على أنني وقبل ختام الموضوع، لا بد أن أؤكد على نقطة هامة، وإن كنت في غنى عن ذلك، وهي أنني هنا أتحدث بصورة عامة عن حدث معين..!! يجب أن لا يتم ربطه بالهلال أو غيره.
فالهلال لا يقف عطاؤه، ونجاحه على كوزمين أو غيره.
الهلال فاز بما يقارب الخمسين بطولة نصيب كوزمين منها لا يتجاوز الـ6 بالمائة..!!
وتاريخ الهلال يشهد له بأنه أكثر الأندية نجاحاً في استقطاب المدربين، وهو مصدر نجاح لهؤلاء المدربين، ومصنع لهم، بما يتوافر لديه من قدرات، وكفاءات سواء إدارية، أو فنية أو لاعبين.!!
والهلال فريق بطل، عرف طريق البطولات ووضع قدمه عليها قبل ما يقارب الخمسين عاماً، أي قبل ولادة كوزمين بعشرة أعوام.!!
لذا..
فالهلال ليس بحاجة للدفاع عنه ولا لبحث مبررات..!!
لكنني هنا أتحدث عن موقف..!!
وعن مستقبل التعامل مع مواقف مشابهة تتعلق بوضع الكرة السعودية، ووضع الأندية لدينا، والمدربين.!! وغيرهم..!!
أتحدث عن قراءة للعقوبات، وانعكاسها، وخلفياتها، وما يترتب عليها من أبعاد، خاصة، وعامة، وتأثيراتها الجانبية سواء على المعاقب أو على أطراف العقوبة..!!
أتحدث عنها عن العقوبة بشكل عام سواء كانت تتعلق بمدرب أجنبي، أو لاعب أجنبي، أو محلي، أو ناد، أو مسؤول في ناد..!!
أتحدث عن العدل في العقوبات، وتوضيحها وعدم إعطاء الفرصة لكل طرف، بأن يقرأها من منظوره الخاص.
وأن يفسرها وفق فهمه الخاص..
وأن يتعامل معها وفق قاموسه الخاص.
والله من وراء القصد