|


عبدالله الضويحي
دورة الخليج و(قوة الطرد المركزي)
2009-01-13
أكدت كأس الخليج في دورتها التاسعة عشرة قوتها وارتفاع مستوى المنافسة فيها، وربما انفردت بين كل البطولات على مختلف الأصعدة.. بأنها الدورة التي لا يمكن إعطاء ترشيحات مسبقة.. ولا حتى أثناءها تنبئ عن هوية البطل.
وإذا كانت الترشيحات إلى فترة غير بعيدة تنصب في صالح بضعة منتخبات معينة.. تتكرر مع كل دورة.. فإنها في العقد الأخير وتحديدا في الدورات الثلاث أو الأربع الأخيرة اتسعت قاعدة المنافسة لتشمل جميع المنتخبات المشاركة.. وهذا أمر نادر الحدوث إن لم يكن معدوماً في بقية البطولات (باستثناء اليمن وهذا أمر طبيعي لمنتخب حديث الخبرة والتكوين).
حتى في الأدوار النهائية أصبح من الصعب تحديد هوية البطل أو ملامحه.. وإن كانت الرؤى تحوم حول فرق معينة إلا أنها ما تلبث أن تذهب أدراج خصوصية هذه الدورة وطبيعتها التنافسية.
تدخل جميع المنتخبات إلى دائرة البطولة عبر بوابة واحدة.. هي بوابة التنافس.. لكنها ما تلبث أن تخرج تباعاً بسبب قوة الطرد المركزية التي تتسم بها.. فيما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية.
الدورة التاسعة عشرة لا تختلف عن سابقاتها بل إنها كانت الأكثر غموضاً وارتفاعاً في حمى المنافسة لكنها ما لبثت أن انقسمت (في نظري) المنتخبات المشاركة.. إلى ثلاثة مستويات.. اتضحت من خلال أداء هذه المنتخبات.. ونتائجها في الدور الأول من البطولة.
هذا التصنيف يشبه إلى حد كبير منحنى الذكاء وهو تشبيه للمستويات.. وليس للكيانات.. وهو تشبيه لما هو غير ملموس.. وليس لما هو ملموس.. حيث تتعادل نسبة الأذكياء.. أو لنقل المتفوقين مع غير المتفوقين.. أو متواضعي المستوى.. فيما تتركز النسبة العظمى في فئة متوسطي الذكاء.
وهو تصنيف طبيعي.. وأعتقد أنه يؤكد واقعية الدورة ومنطقية التنافس فيها.
هذه المستويات الثلاثة هي:
ـ المستوى الأول:
ويقف فيه منتخبا المملكة العربية السعودية وعمان.. حيث يمتاز الفريقان بقدرات فنية وعناصرية متفوقة..
الفريقان تجاوزا المرحلة الأولى بمرمى نظيف مما يعني القدرة على تحصين المناطق الخلفية.
وهجوم فعال يعرف طريق المرمى.. وإن كان المنتخب السعودي يتفوق في نسبة التهديف.. والقدرة على الحسم، هذا التفوق لا يعتمد على لغة الأرقام لعدم وجاهة المقارنة بين مجموعة وأخرى.. لكنه يعتمد على نسبة وتناسب بين كل فريق ومجموعته.
المنتخب السعودي سجل تسعة أهداف من أصل ستة عشر هدفا هي حصيلة أهداف مجموعته.. مما يعني أنه سجل أكثر مما سجلته فرق مجموعته مجتمعة (سجل 9 أهداف.. فيما سجلت بقية الفرق 7 أهداف فقط).
في حين أن المنتخب اليماني سجل ستة أهداف من أصل 13 هدفا أي أنه سجل ما يقارب حصيلة أهداف المجموعة (سجل 6 أهداف فيما سجلت بقية الفرق 7).
يمتاز المنتخب السعودي أيضاً بوجود البدلاء الأكفاء.. ذوي المهارات والقدرات التي لا تقل عن الأساسيين وامتلاك هؤلاء للحلول الفردية.

المستوى الثاني:
وتقف فيه الكويت والبحرين من المجموعة الأولى وكل من قطر والإمارات من المجموعة الثانية.
وكل من هذه المنتخبات الأربعة كان مرشحاً.. أو بالأحرى يستحق أن يصل للدور قبل النهائي.. ولا يعتبر وصول أي منها.. أو خروج آخر مفاجأة.. أو أمراً غير منطقي.. وفقا لما قدمه كل منهم في المرحلة الأولى.
وإذا كان البعض يختلف معي حول مدى جدارة المنتخب القطري.. وخروج الإماراتي.. عطفا على قرارات الحكم الكويتي.. الذي أدار مباراة قطر واليمن وكان لها أثرها في تحويل مسار المباراة في الثواني الأخيرة، فإنني أرى أن جدارة قطر تنطلق من كونه الأنجح في التعامل مع ظروف الدورة.. وهو الذي نجح في التعادل مع المتصدر ومع منافسة الإمارات..
هذا بصورة عامة..
على أن هناك العديد من النقاط والملحوظات يمكن أن يخرج بها المتابع من خلال الدور الأول لهذه البطولة.

العراق
ـ كان المنتخب العراقي مفاجأة الدورة.. في تواضع مستواه.. وخروجه المر..!
فالفريق الذي لم تهدأ بعد طبول فرحته بكأس آسيا.. بالعناصر نفسها والمدرب ذاته.. قدم في هذه الدورة أسوأ مستوى في تاريخ الكرة العراقية التي لم أشاهدها بهذه الصورة طوال تاريخها..
سجل الفريق هدفين فقط.. وولج مرماه ثمانية في ثلاث مباريات.
ولاعبوه معظمهم محترفون خارج العراق.. وبعيداً عن ظروفه.. وأوضاعه.
ومن هنا.. فإنني أعتقد أن المشكلة ليست فنية.!!
وإذا كان الاتحاد العراقي أخطأ في إعادة فييرا لتدريب المنتخب.. كما هو حال الكثير من منتخباتنا وأنديتنا..، وهو ما يراه بعض المهتمين بشؤون الكرة العراقية من عدم كفاءة أو أحقية له وهو الذي قادهم لكأس آسيا لأول مرة في تاريخ الكرة العراقية.. فإن هذا لا يبرر الحالة التي كان عليها المنتخب.
أعتقد أن هناك مشاكل داخل المنتخب ترتبط بعلاقة اللاعبين مع بعضهم البعض ومدى انسجامهم في المعسكر.. مما انعكس بأثره على أداء الفريق وبالتالي نتائجه.. وكان هذا واضحاً من خلال متابعة للفريق!
كما أن الإعداد الفني والنفسي أيضا للفريق لم يكن يتناسب وأهمية الدورة، بدليل الإصابات التي حصلت في الفريق.. وضعف المخزون اللياقي.. وخروج بعض اللاعبين (عن النص)..!!

اليمن
ـ أحترم الأشقاء في اليمن.. والكرة اليمنية وعراقتها كأقدم كرة في المنطقة فيما يبدو.. وأقدر لهم حماسهم وحرصهم.. لكن ما يجب أن يدركه الأشقاء هو البون الشاسع بين الكرة اليمنية ونظيراتها في الخليج تاريخا.. وخبرة.. وإمكانيات..!
وأن السير ببطء.. أضمن للوصول من سرعة التهور.!!
الاستعجال يؤدي إلى كثرة الأخطاء!
أتمنى من الإخوة في اليمن قراءة تاريخ دورة الخليج والفصل الخاص بعمان الشقيقة.
المنتخب اليماني ظل ضيف شرف.. ثلاثة عقود ونتائجه كانت متواضعة.. وابتدأ التحرك من الدورة الرابعة عشرة.. وفي الدورتين 18 و19 وصل إلى النهائي.. وأصبح رقما صعبا في الكرة الخليجية.
تحتاج الكرة اليمنية إلى عمل جبار وجهد.. وبذل وسخاء..
أن تهتم أولاً بالقاعدة.. والقاعدة هنا لا تعني العنصر البشري فقط!! لكنها قاعدة المنشآت والبنية الرياضية.. والبحث عن العناصر المؤهلة والكفء لإعداد الفريق وتدريبه التي تتناسب مع مراحل بنائه وتطوره.. عبر عقود طويلة الأجل تعطي هؤلاء فرصة البناء.. وتوفر لهم عوامل النجاح.

البحرين
يبدو أن الكرة البحرينية أضناها التعب وأصابها الإحباط..!!
قبل ثلاث أو أربع سنوات.. كانت الكرة البحرينية في قمة عطائها.
تألقت في آسيا..
وكانت على أعتاب مجد أصبح الآن حلماً وهو الوصول للمونديال.. عندما فقدت الفرصة أمام منتخب متواضع (ترنداد) من أمريكا الوسطى في التنافس على مقعد في كأس العالم.. ويبدو أنها لم تعط ذلك المنتخب الاهتمام والاحترام الكافي آنذاك.
في التصفيات الأخيرة (الدائرة حالياً) للمونديال عن آسيا تقدم مستويات متواضعة.. وحصيلتها حتى الآن نقطة واحدة أمام قطر.. وفرصتها للتأهل ضعيفة إن لم تكن معدومة.

قطر
يبدو أن قطر تسير ببطء.. وتطبق هذه القاعدة..
المنتخب القطري يفتقد لا أقول للاعب الهداف، ولكن للوسيلة التي تحمل هذا اللاعب إلى المرمى.
لم تسجل أي حضور من تصفيات المونديال الدائرة حالياً.. وولج مرماها 11 هدفاً.. وسجلت هدفاً واحداً فقط أمام البحرين (1ـ1).
ومنذ أن تسلم ميتسو الفريق.. لم يسجل أي هدف.. عدا هدف واحد أمام اليمن إذا اعتبرنا أن الضربة الثابتة لا تدخل في إطار الوصول المعتبر إلى المرمى.!
ويبدو أن ذلك عائد للأسلوب الذي ينتهجه الفريق.
سيقابل عمان في الدور قبل النهائي.. وسيسعى إلى سحبه لمنطقة التعادل وركلات الترجيح وربما ينفض ثم يغلق المنافذ.!! والكرة القطرية على مدى تاريخها تجيد ذلك الأسلوب.

صحوة الموت
ما حدث من منتخب العراق أمام المنتخب الكويتي في مباراته الأخيرة 1ـ1.. ومن اليمن أمام قطر 1ـ2 في الثواني الأخيرة.. وبعد طرد اثنين من لاعبيه.. لا يمكن أن يندرج وفق رأي شخصي تحت الحكم على أداء الفريق الكويتي أو القطري.. بقدر ما يمكن إدراجه تحت ما يسمى صحوة الموت.. إن جاز التعبير!!
المباراة الوداعية لكثير من الفرق تكون كذلك.. عندما تتحرر من الضغوط.. ولم يعد لديها ما تخسره.. فتبحث عن حفظ ماء الوجه.. وهذا ما حصل.
ما قدمه منتخب العراق.. هو انتفاضة لاعبين وشعور ذاتي.. أكثر منه إعداداً فنياً.
وكذلك اليمن.. كردة فعل.. وبعد إنهاء عقد المدرب محسن صالح.

الإعداد النفسي
تمتاز دورة الخليج بأنها المقياس الحقيقي لمدى القدرة على إعداد الفريق نفسيا.. أكثر منه فنياً.
منتخبات مثل السعودية، عمان، الكويت، الإمارات، قطر، كان من الواضح تماماً أنه تم إعدادها بشكل جيد من هذه الناحية وتتمتع بقدرات وكفاءات سواء إدارية أو عناصرية تمتاز بالخبرة والقدرة على التعامل مع الظروف وإعداد الفريق لمثل هذه المنافسات.
في حين برز ضعف هذا الإعداد لدى منتخبات العراق، البحرين، واليمن ومن خلال ردود أفعالهم داخل الملعب.
ربما كان لبعض الحكام وقراراتهم أثر في ذلك لدى بعض هذه المنتخبات لكنه ليس مبرراً للخروج عن النص.. خاصة خارج إطار الملعب.. مما يؤكد تلك الحقيقة.

الأدوار النهائية
كنت قد راهنت على أن الكويت ستكون الحصان الأسود في هذه الدورة لأسباب ذكرتها في حينه.. رغم ما أثير حول مشاركتها واستعدادها.
وأعتقد سوء حظها أنها وقعت في مواجهة المنتخب السعودي في الدور قبل النهائي.. وإلا لوصلت لما هو أبعد من ذلك!
لا نستبق الأحداث.. وما لم يحصل ما هو في غير الحسبان فإن الفريق السعودي بما يملكه من إمكانات فنية ومعنوية هو الأقرب والأقدر على الوصول إلى النهائي.. وربما ما هو أبعد.!
أما قطر وعمان.. فرغم ما يقال عن المنتخب العماني وإمكانية وصوله النهائي للمرة الثالثة على التوالي وإن هذه هي فرصته المواتية للظفر باللقب.. لكنني لا زلت عند رأيي في أن المنتخب القطري يسير ببطء، وقد يحدث انقلاباً في مسيرة الدورة.. وكما قلت سيسعى إلى سحب عمان لمنطقة التعادل -على أضعف الحلول - تمهيداً لما يأتي بعد ذلك مما يعتبره انتصاراً له في حد ذاته.
وكل دورة خليج وأبناء الخليج بخير..!
والله من وراء القصد