|


صالح الخليف
طردوه من المدرسة
2018-06-14
تعرفون أديسون.. ذلك الرجل العظيم الذي أضاء ظلام الدنيا باختراعه المصباح الكهربائي، ثم توالت اكتشافاته الفذه حتى منحه الأمريكان أكثر من براءة ألف اختراع، وقلدوه بلقب الساحر إيماناً بعقليته الملهمة التي تبحث عن الإنجاز والتفرد.

وسيرة أديسون هذا غنية بالعلم والمعرفة والمثابرة والتحدي، فيحتل المركز الرابع في قائمة المخترعين النجباء، ويوصف بأبو التلفزيون والراديو والفونوغراف التي ترك بصمته ورؤيته عليها حتى غزت العالم كله.. والحديث عن أديسون العالم والمخترع والمكتشف يطول ويمتد ويحتاج إلى مساحات كبيرة وكلمات ممتدة وسطور مملة.. وهذا بالطبع سيبصح كتفسير الماء بعد الجهد بالماء.. أقصد ماذا سنضيف ونقول عن مثل هذا أكثر من الاعتراف والتأكيد على أنه مر ذات يوم على هذه الأرض ولم يتركها ويغادرها كما وصل إليها.. ترك فيها آثاره وتأثيره ورحل موقناً أن البشرية ستظل تتذكره في مناسبات عديدة، وستردد اسمه ومسيرته وإنجازاته كلما فرضت الحاجة تناول المصباح أو التلفزيون أو الراديو..

مثل هذا يقال عنه إنه رجل جاء وذهب كما عنون غازي القصيبي إحدى رواياته القصيرة.. لكن أكثر ما يستحق العرض والاستعراض في مسار وحياة السيد توماس أديسون، هو تلك الحالة الاهمالية في المدرسة، فما كان أديسون إلا طالباً كسولاً وفاشلاً ووضيعاً حتى اضطر مدير مدرسته وسط مدينة بورت هورون في ولاية ميشيجان إلى طرده ومحاولة التخلص منه أكثر من مرة، وكان آخرها أن رفع صوته وصرخ في وجهه وقال له: “اذهب من هنا وهات والدك فقد يئسنا من التعامل معك”.. خرج أديسون مكسوراً جريحاً في مواجهة الحياة والمصير المجهول وراح يبيع الخضار، ثم باع الصحف في محطات القطار، حتى تحسن دخله وحصل في ذاك المكان مع أربعة مساعدين على حق التوزيع الحصري، وبدأت الأموال تدب بين يديه، ثم اتجه إلى عالم الاختراع ذاك من باب حب الاستطلاع والفراسة والنباهة الخفية فوجد نفسه يبدع ويتقدم ثم يدخل عالم التجارة وينشئ الشركات الواحدة تلو الأخرى، ومن بينها شركة جنرال إلكتريك المتخصصة بالكهرباء والصناعة والبرمجيات، والتي تعتبر من أقوى شركات العالم كله..

وفي نهاية المطاف الذي لابد له أن يتوقف يستسلم أديسون أمام صراعه الطويل مع مرض السكر ويموت منتصراً على صعوبات الحياة وتعقيداتها وأشخاص يحولون الدنيا إلى ساحة حرب صغيرة، ومدير المدرسة الذي طرده كان واحداً منهم.

وكم من طالب فاشل وبليد مثل أديسون يستحق الطرد حتى يبدع ويثري الوجود، وكم من مدير فطن يطرد الفاشلين الذين ينتظرون الفرصة ليبيعوا الصحف والخضار ثم يخترعون ويكتشفون حتى يموتون بالسكري أو غيره.. إننا بحاجة لهذا المدير أكثر من حاجتنا إلى أديسون!!.