|


أحمد الحامد⁩
أماكن وورق وشاشة
2018-11-02
في الماضي كانت الكتب والصحف هي المصدر الرئيس للقراءة والمعلومة، ما زالت كذلك، ولكن تحولت الورقة التي تقرأ منها إلى شاشة إلكترونية، يبدو أننا سنفقد رائحة الورق للأبد، اليوم اخترت لكم مقاطع من أشعار ومن أقوال، عن المكان والطريق..
ذلك الذي تلتصق به حتى إن ابتعدت عنه، يبقى عندك أجمل من أجمل طبيعة في العالم، نزار قباني هنا يذيع سراً بأن المكان أيضاً يلتصق بك "وكل الأرصفة تحفظ موسيقى أقدامنا عن ظهر قلب"، هل ما قاله نزار صحيح؟ لماذا عندما عدت لمكان والدتي لم يعرفني أحد، لا الأرصفة ولا الأشجار ولا الأحجار.. بكيت وحيداً، ثم قلّمت دموعي كما نصحني "ساري العتيبي".
"قلّم دموعك..
ربما جرحت عيون الأصدقاء
إنّ الحزن لا يرضى شريكاً
في البكاء!"
حينها عاد إلي نزار مرة أخرى وأعطاني منديلاً ثم قال: "مُبللٌ قلبي كمنديل سفر، كطائرٍ ظل قروناً تحت المطر!"، عندما سمعت كلماته زاد بكائي ولم ينفعني منديل نزار المبلل دائماً من دموعه، ثم مضيت ولم أعد، لا أعلم كيف مضت السنون بعد ذلك، قال لي لوركا:
"ربما سُرق
ربما تركته عائماً فوق رغوة فنجان قهوة
ربما طرق باب الليل وكان السهر غافياً
ذلك الوقت الذي لم يجمعني بك
من ضيعه؟"
يقول "عبود الجابري" عن أسرار ضعفه وضعفي وأسرار ضعف بعضكم: "انكسر من جهة القلب فقط، فأريحوا معاولكم التي تحفر في رأسي"، يا لهذا القلب، صغير مكير، في لحظات معينة لا يعترف بكل حكم العقل، لا يعترف حتى بوجوده، يقول قيس بين الملوح:
أحنُ إذا رأيت جمال قومي
وأبكي إن سمعت لها حنينا
سقى الغيث المجيد بلاد قومي
وإن خلت الديار وإن بلينا
أعود للورق وشاشة الأجهزة الإلكترونية، وإلى الأماكن والأرصفة، ما زلت أذكر أماكن كثيرة قرأت بها بعض الكتب، لكنني لا أذكر أين قرأت الكثير مما قرأته على شاشة هاتف أو كمبيوتر، الكتب صديقة، بل حبيبة تمضي معها في كل مكان: وكل الأرصفة تحفظ موسيقى أقدامنا عن ظهر قلب"، الكتب لا تحتاج إلى شواحن لقراءتها.