|


أحمد الحامد⁩
ألحانُ القلوب
2018-11-17
في عام 1997 قدم داود الزبيدي برنامجه الشهير ألحان القلوب على إذاعة إم بي سي إف إم، أكتب إليكم الآن وأنا أستمع لحلقة من ذلك البرنامج، صوته أحضره أمامي بتلك الشخصية المرهفة الكريمة، يمد يديه نحوي مقدماً ورقة فوقها حبات فستق، هاهو يسألني بأي أغنية تذكرك هذه الأبيات؟
كنت أذهب إليه في أي وقت أشاء وهو في مكتبه الصغير؛ ليحل لي إشكالية في النص، وكانت تلك اللحظات مفرحة له لأنه يحب أن يعيش رباناً في بحر اللغة، ولا يحب أن يعتدي أحد عليها، كان في السبعين من عمره وكنا في العشرينيات، كان علّامة في اللغة، ومعلماً لمعظم مذيعي نشرات الأخبار في mbc في ذلك الوقت، الآن عرفت الفارق الحقيقي بين برنامج ألحان القلوب وبين ما كنا نقدمه نحن الشباب في تلك الفترة، ألحان القلوب يصلح لكل زمن وجديد دائماً مهما تقادمت السنون وتغيرت الأجواء، توفي داود الزبيدي وحيداً في أحد المستشفيات البريطانية، كتب عنه صديقه الكاتب خالد القشطيني مقالة عام 2006 وذلك بعد رحيل داود بفترة قصيرة، هذه أجزاء منها: "طالما سألني بعض القراء عن قصتي القصيرة "حفنة وسخ" من كان بطلها؟ آن لي أن أكشف عنه، كان بطلها صديقي وزميلي داود الزبيدي ـ رحمه الله ـ، طلب مني أن آتيه بحفنة من تراب العراق: قال أريد أن أشمها وأنظر إليها، وعندما أموت يدفنونها معي، لبيت طلبه، عاش داود حياة مأساوية محروماً من الحب ومن الأطفال ومن المال ومن الوطن ومن العمل ومن الصحة، أصيب قبل سنوات بالسرطان، عدته بضع مرات في الأشهر الأخيرة وكان آخرها قبل أيام، وجرني للحديث عن بعض المشاكل النحوية، الموضوع المحبب إلى نفسه وأنّبني على بعض الأخطاء النحوية التي وقعت فيها، قال احذر يا خالد أن تقول زعمائنا، العرب لا تقول هكذا، العرب تقول زعماؤنا كافة، ذكر القشطيني أن داود قال له بأنه مسلم ويريد أن يدفن في مقبرة مسلمين، عاجلته المنية دون معرفتي ولم أسمع بها، كان صديقي قد واراه التراب، تراب بريطاني في زاوية نائية من مقبرة بريطانية، دخلت السيدة بليك صاحبة المنزل وخادمتها بعد نقل جثمانه إلى خزانة الحانوتي لتنظيف الغرفة، قالت الخادمة لصاحبة الدار: هذا كيس بلاستيك فيه حفنة تراب، فكت السيدة بليك الكيس نظرت فيه ثم تشممته وقالت: أوووه حفنة وسخ إرم بها في الزبالة مع بقية الأوساخ.