|


طلال الحمود
أوامر من فوق
2018-11-17
عاشت المجتمعات العربية سنوات طويلة على وقع عبارات مبهمة لا يستطيع المتلقي التعاطي معها أو الخوض فيها، وغالبًا ما غيرت هذه العبارات مسار حياة الناس من الأفضل إلى الأسوأ، وساهمت في صمت أصحاب الحق عن المطالبة بحقهم، خوفاً من تحدي هذه المقولة أو التفكير في اختبار حقيقتها.
وكثيراً ما استخدم المسؤول الصغير عبارة “أوامر من فوق” لإيقاف مطالبة المتضرر بحقه أو لتمرير “هبرة” مالية يخشى من تعثرها؛ بسبب “تغليس” صغار الموظفين في إدارته!.
وتحقق هذه العبارة النجاح دائماً؛ لأن أسلوب المسؤول في قولها ونبرة الصوت التي يستخدمها، تحمل في مجملها رسائل تهديد مبطنة، ما يجعل نسبة تصدي المستمع للقائل وفضحه ضئيلة، خاصة أن المسؤول الصغير يروّج دائماً خرافة الموظف “المنحوس” الذي تحدى مسؤوله وطلب ما يثبت أنها “أوامر من فوق”، قبل أن يأتيه الرد “من فوق” بتحويله إلى التحقيق ثم فصله وربما حبسه!.
وتأتي هذه العبارة دائماً مزودة بحلول ذكية تحمي صاحبها من الفشل في مهمته أو حتى محاسبته، لاعتبار أنها شفهية ولا يمكن كتابتها برسالة، كونها “أوامر من فوق” وهذا النوع من الأوامر يحمل طابع السرية غالباً ولا يمكن إطلاع صغار الموظفين أو المراجعين عليه؛ ما يجعل الشخص المستهدف عديم الحيلة بسبب أن هذه العبارة خلطت الأنظمة والقوانين والإجراءات في دماغه، وجعلته يؤمن بعدم جدوى كل هذا أمام “أوامر من فوق”!.
هذه العبارة تعيش وتتكاثر في مناطق معينة من العالم، وتبدو الدول العربية بيئة مناسبة يمكن لهذا النوع النادر من الفساد أن يستوطن فيها لقرون، خاصة أن اكتشاف نشاط هذه العبارة ونفوذ مستخدميها يحتاج إلى توافر أدلة قبل القيام بإجراءات قانونية ضدهم، وفي المقابل يصعب وجودها في كثير من البلدان التي تمتلك شعوبها معرفة بالأنظمة والقوانين غير القابلة للتجاوز بعبارة أو سطر!.
وتحدّث لاعب الاتحاد السابق عدنان فلاتة الأسبوع الماضي عن تعرضه إلى عبارة “أوامر من فوق” لإجباره على التنازل عن مستحقاته المالية، ويبدو أن فلاتة راح ضحية تصديق المتحدث وغياب المحامي؛ لأنه لم يطلب التأكد من وجود “أمر من فوق”، بل وضع نفسه في حرج قانوني لأن هذه العبارة الزئبقية يصعب إثباتها أو حتى التصدي لها.. لم يكن عدنان فلاتة الأول ولن يكون آخر ضحايا العبارة المنكوبة؛ لأن حتى التعاون مع السلطات بغياب الدليل لا يكفي للنجاة منها!