|


أحمد الحامد⁩
الوقت الذي لن يعود
2018-11-18
يحكي لي أحد الأصدقاء عن والده الذي كان رجل أعمال وتوفي فجأة، وكيف أنه بعد وفاة والده حاول أن يتابع سير العمل، فحضر إلى الشركة التي لم يعتد على زيارتها، وكيف أنه التقى بالموظفين الذين حاولوا أن يوضحوا له سير العمل، وما الأمور التي كان يتابعها وأوصى بها والده "رحمه الله" في آخر اجتماع له قبل يومين من وفاته.
يحكي الصديق عن هذه التجربة مستخلصًا منها عدة عبر، كيف أن الإنسان يتذكر الموت لكنه يستبعده عن نفسه، وكيف يوهم الإنسان نفسه بأن القادم كفيل بالتعويض عن كل شيء حتى وإن كان بُعده عن بيته وأسرته.
خلاصة ما قال الصديق صاحب التجربة أن لا شيء يعادل الوقت الذي يقضيه الإنسان قريبًا من عائلته، وأن كثرة الأشغال مع مردودها المادي الكبير ستكون على حساب الأسرة وعلى حساب الشخص نفسه، الذي غالبًا لا يشعر بفداحة الخسارة إلا عندما يمرض فيخشى الرحيل سريعًا مفارقًا أحبته الذين فارقهم مبكرًا دون الشعور بذلك، العمل ما يخلص..
مقولة قالها حكيم، أحيانًا تشتكي الزوجة لزوجها من كثرة غيابه عن البيت، وهناك إجابة شائعة يستخدمها الرجل للرد على هذه الشكوى بأنه يغيب متحملاً كل هذا التعب من أجلهم، وهذا صحيح لكنه لا يعوض أبدًا وجوده في المنزل، ولا البيت الكبير الفاخر يعوض الزوجة والأبناء عن حنانه ورعايته وصناعة أجمل الذكريات معهم، غالبًا هو لا يشعر بالزمن ولا ينتبه بأن أبناءه قد كبروا في غفلة منه، وأن الوقت الذي يمضي لن يعود.
في أحد الأيام شاهدت لقاءً مع رجل ثري، وبعد أن تحدث عن مشواره المتعب الطويل في عالم الأعمال سأله مقدم البرنامج أن كان نادمًا عن شيء معين، فقال إنه نادم على غيابه كثيرًا خارج البيت، وحكى هذه الحكاية: كنت مع ابني في السيارة متجهين إلى مدينة بعيدة، استمر مشوارنا عدة ساعات تبادلنا فيها الحديث والضحك، وكانت تلك الساعات التي قضيتها مع ولدي نادرة الحدوث، أثناء الطريق قال ولدي أتمنى يا أبي أن تتكرر مثل هذه الرحلة، أتمنى أن أراك وأتحدث معك دائمًا لأنني أشعر بحاجتي إليك وإلى القرب منك، شاء القدر أن يتوفى ابني بعد مدة، وبقيت كلماته فيَّ وفي عقلي في كل وقت وزمان.
أخيرًا لي ولكم أتمنى قضاء أوقات سعيدة وطويلة مع أحبتكم.