|


أحمد الحامد⁩
قسمة ونصيب
2018-11-24
أثناء صعودك الطائرة لديك بوابتان، الأولى لركاب الدرجة الأولى، والبوابة الثانية لركاب الدرجة السياحية، وكلمة السياحية ما هي إلا تلطيف وتحايل على عبارة لغير الأغنياء، على متن الطائرة تتشكل حياة مصغرة عن تلك التي على الأرض.
وآخر ما توصلت إليه من اختصارات واختزالات لكل المفاهيم عن الكفاح والعلم والجهد والصبر في هذه الدنيا، أن الحياة: قسمة ونصيب، ليس لدي أي تفسير آخر، ولو اجتمع كل فلاسفة العصر وعلماء الجامعات والأدباء لما أقنعوني بأنها ليست قسمة ونصيب، بل هي كلها منذ أن سكنها آدم..
قسمة ونصيب، فكر بها عزيزي القارئ من دون حماس أو ضعف ينتابك الآن، منذ لحظة ميلادك واسمك الذي اختاره لك أحد غيرك، وأبوك وأمك اللذان لم تخترهما والمكان الذي ولدت به ومستوى حظك في الدنيا، هؤلاء جزء كبير من القسمة والنصيب اللذين قاما بتشكيلك وأجلساك الآن إما في الدرجة الأولى أو في مقاعد الطحن على طائرة الحياة، حتى النجاح الذي تسعى إليه وتوفر له كل مستلزماته من مثابرة وجهد يبقى منوطًا بالقسمة والنصيب، والقسمة والنصيب هما من أجلسا عقلاً عبقرياً على سفوح جبل طوال حياته دون أن يتمكن من أن يتعلم حتى القراءة والكتابة، وهما من أوصلا ابن مدينة تدرج في المدارس حتى أصبح دكتوراً يعالج ابن الجبل، القسمة والنصيب هما من اختارا مكان ولادتهما؛ فكان المكان فاصلاً بين مقاعد الدرجتين.
كلما سافرت على الدرجة الأولى نسيت ركاب الدرجة السياحية، بل أنسى أنهم مسافرون معنا، وكلما سافرت على الدرجة السياحية وانحشرت أرجلي بين الكرسي والكرسي المقابل، تطلعت إلى ما ينعم به مسافرو الدرجة الأولى من فضاء واسع وراحة ونعيم، أكتب إليكم الآن وأنا محشور بين مقاعد الدرجة السياحية وبين أربعة مقاعد، خلفي طفل نابغة يلحن البكاء ألحانًا يعجز عنها بليغ حمدي، والدته تشاهد فيلماً منذ ساعتين، على يساري امرأة نائمة وعلى يميني رجل نائم مد رجليه لتصبح عملية الذهاب إلى الحمام تحتاج إلى رياضي يجيد القفز بالزانة، أعزائي أكتب إليكم تحت ضغط شديد؛ لذلك قد يكون تفسيري للقسمة والنصيب غير صحيح وغير واقعي.
ما أعرفه أن مكان المقعد الذي أجلس عليه في رحلة مدتها أكثر من 6 ساعات وبين هذه الصحبة الطيبة، ما هو إلا قسمة ونصيب.