|


طلال الحمود
القسط المزعج
2018-12-01
أصبحت ثقافة التأمين على الممتلكات ضد المخاطر بمثابة الفرق بين تفكير الناس في الدول الغربية وبقية سكان الأرض، وكثيراً ما حاول الموظف الشرقي بناء حياته بعيداً عن الخسائر، ما يجعله يستعين بكل أنواع التأمين والالتزام بدفع أقساطها لسنوات طويلة، غير أنه في أحد الأيام يتوصل غالباً إلى قناعة بعدم جدوى قسط التأمين.
وبعد إجراء بعض الحسابات، سيكتشف أن الخسارة تكمن في مواصلة دفع المال لشركات التأمين. وأن الحل الأمثل يتطلب إيقاف دفع هذه الأقساط!، بينما يعتبر الموظف الأمريكي أن هذا القرار لا يمكن اتخاذه دون بديل يؤدي الحماية نفسها من المخاطر!.
الأمر يشبه ما تقوم به الدول الخليجية تجاه الإعلام بكافة وسائله ورسائله، إذ توافق الحكومات على تمويل قنوات إخبارية ورياضية واقتصادية، تمثل سياستها وتوجهاتها نحو العالم الخارجي، وغالباً يتم الصرف بانتظام على هذه المنظومة الإعلامية لسنوات، قبل أن يأتي قرار بين يوم وليلة بإغلاق أو تقليص عدد المنصات الإعلامية الموجهة، على خلفية تراجع أسعار النفط أو عدم قناعة مسؤول بجدوى الإنفاق في ظل استقرار الأوضاع السياسية.
ومع تقليص الإنفاق على القنوات والصحف الموجهة للخارج، تواجه هذه الدول مصيرها بصدر عارٍ لسنوات خالية من الأزمات، وربما يحسب للمسؤول الذي اتخذ قرار إغلاق القنوات والصحف بُعد النظر وسعة الأفق؛ لأنه أثبت عدم حاجة الدولة لهذا العبء المالي، وربما تستمر الإشادة بالمسؤول حتى يأتي اليوم الموعود الذي تحتاج فيه البلاد إلى درع في مواجهة سهام الإعلام المعادي، حينها سيعرف المسؤول أن تفكيره يوازي الموظف البسيط الذي اختار إيقاف دفع أقساط التأمين لتوفير المال!.
ويروّج بعض القائمين على المحطات الإخبارية أو الرياضية تعرّضها لخسائر بسبب تراجع عائدات الإعلانات التجارية، وهم غالباً يعنون تراجع الدعم الحكومي، خاصة أن تحقيق مكاسب مالية من هذه القنوات يتطلب بنية تحتية ونظام بث يضمن شفافية في إحصاء نسبة المشاهدة، ويشجع المعلنين على إنفاق المال للوصول إلى الشريحة المستهدفة.
عندما تدفع بعض الدول الخليجية مئات الملايين من الدولارات لاحتكار بث المنافسات الرياضية، فهي تدرك أنها لن تسترد ربع ما دفعته، لكنها تراهن على الوصول إلى المشاهد العربي وتقديم المحتوى بطريقة توافق سياسة الدولة وتوجهاتها، غير أن الفرق بين الدول يكمن في استمرار تمويل هذه القنوات، أو التوقف بعد فترة عن دفع القسط المزعج لنوع من أنواع التأمين الإعلامي.