|


أحمد الحامد⁩
فضيلة التوقف
2018-12-03
شاهدت على شاشة التلفزيون شيخًا هنديًا يقول: جلست في مقهى وطلبت من العامل شايًا، تحدث معي العامل في السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع، وعندما قدم لي الشاي كان طعمه سيئًا!
في بدايات الألفية الثانية، كنت أتحدث كثيرًا، أقول لزملائي في محيط العمل كل شيء أعرفه عن مجال عملي وغير مجال العمل، لكني نسيت أن أعمل في تلك الفترة بصورة جيدة، تلك المرحلة كانت أضعف السنوات عمليًّا، موجود وغير موجود، أتحدث ولا أفعل شيئًا، أعمل ولا أعمل، منظرًا أعتمد على ما اكتسبته مما ظهر من قمة جبل الثلج في عرض البحر، غير عارف أنه لا يمثل سوى أجزاء بسيطة من كامل الحجم الذي كنت أجهله، حتى اكتشفت الحقيقة التي كنت أعيش خارجها، أحيانًا من الضروري أن يجدد الإنسان نفسه، أن يعود للتدريب، أن يتوقف إذا لم يكن لديه ما يستحق أن يقدمه، وإذا ما امتلأ يعود من جديد، لبيكاسو مقولة يتحدث فيها عن نفسه أولًا وهو بيكاسو الذي نعرفه، لكنه يعرف نفسه أكثر مما يعرفه العالم عنه: "إن الإنسان يحتاج إلى شخصين بداخله حتى يصبح رسامًا، الأول لكي يرسم، والثاني يحمل مطرقة لكي يخبره متى يتوقف عن الرسم"، ذات يوم توغل القلق في أنتوني كوين بعد أن تجاوز السبعين من أن يكون الوهن قد أصاب عضلاته الفنية: "توقف إعجاب الفتيات الصغيرات بأفلامي، لم يعد هناك ما أكسبه سوى الدور نفسه"، حينها اتجه أنتوني إلى هوايته وموهبته القديمة، الرسم، بدأ يرسم في كل مكان يتواجد فيه، حتى عاد بفيلم "زوربا اليوناني"، ولم يتوقف عن الرسم.
ـ أن تتوقف مؤقتًا أو دائمًا وأنت في مرحلة محترمة، خير من أن تموت على فراش الضعف، أحيانًا أتذكر بعض الشخصيات الفنية التي شكل الموت المفاجئ دورًا في خلق أسطورتهم، الموت الذي أوقفهم وهم في قمتهم كان في مصلحة صناعة الأسطورة، لا شك أن نهاياتهم إذا ما استمروا في الحياة ستكون مختلفة، لا يعني ذلك أن نجاحهم لن يستمر، لكن صورتهم في مخيلة جمهورهم لن تكون كما أصبحت بعد رحيلهم، مارلين مونرو وألفيس بريسلي وبوب مارلي ساهم الموت في نحت رمزيتهم، لأنه أوقفهم، قصّر الموت عمرهم لكنه أمد بقاءهم أضعاف أعمارهم، بعض الشخصيات تتوقف فجأة ثم تعود بشكل مبهر، أو لا تعود، لكنها تبقى ساحرة كما هي آخر صورة تركتنا عليها.