|


أحمد الحامد⁩
آلات الحرب
2018-12-22
الموسيقى لا تُهزم حتى لو ضربت الكرة الأرضية بكل القنابل النووية، ستشكل أصوات الدمار لحناً ما، الموسيقى أعظم رابط يجمعنا، البشر وإن اتفقوا يومًا في العموم، سيتقاتلون على التفاصيل، إلا في الموسيقى، قد لا تحبني.. ولا أحبك، كل يرى أن ميراثه هو الحقيقة الوحيدة على هذه الأرض، قد نكون أعداءً ونتربص ببعضنا بعضًا.
بيدك سلاحك وبيدي سلاحي، والأسرع سيقتل الآخر.. قد نكون أعداء دائماً، لكننا في وقت ما وزمن ما نستمع إلى لحن واحد في وقت واحد، مشاعرنا متشابهة وصفاتها واحدة، الشجن والحنين وتعابير من أعماقنا لا نعرف مسمياتها لكننا نعرفها من خلال الشعور بها.
ـ ماذا لو كانت أسلحة الحرب آلات موسيقية، وقصفنا بعضنا بالألحان، وهزمنا بعضنا بقوة شجنها، المنتصر هو من يطرب الآخر كثيراً، يظهر حنين عدوه ويسقط حنينه أرضاً، ينشره على امتداد جبهة القتال، ماذا لو كانت خطط الحرب صولو في الخطوط الأمامية من الجبهة، تقاسيم في الخنادق، إيقاعات تجلب لنا الأسرى، كورس يعلن نتائج المعارك: قصفت فرقتنا الموسيقية الشعبية جيش العدو بمجموعة من الأغاني الفلكلورية، وذكر الموزع الموسيقي المسؤول بأن الأعداء أصيبوا بحالات من الشجن الهستيري، كما قصفت طائراتنا الحربية بمكبرات الصوت جيش الأعداء بمقدمات موسيقية عديدة، واستطاعت أن تلقي بمنشوراتها من النوتات الموسيقية على كافة ساحات العدو، ثم عادت طائراتنا إلى مسارحها سالمة، من جانب آخر، قلّد قائد الأوركسترا ثلاثة عازفين منفردين بنياشين الكمان من الدرجة الطربية.
ـ ألحان الموسيقى هي الشيء الوحيد الذي لا يستطيعون صنّاع الموت صناعته، ولا يستطيعون كتم أصوات آلاتها، الموسيقى تتشكل من كل شيء وفي أي وقت، عدالة الحياة ضد صناع الحزن وأعداء الحياة، اعزفوا واستمعوا إلى الموسيقى في كل وقت تستطيعون فيه ذلك، تلك هي أجمل الأوقات وأوضحها، تلك اللحظات هي التي تجمعنا رغم اختلاف أماكننا ولغاتنا وألواننا، هي التي تظهر جمالنا المتواري بأعماقنا، تجردنا من كل أوهام الحواجز لنتحد كقلب واحد ينبض في جسد واحد في عالم واحد.
ـ الوحدة لا تصيب من يستمع للموسيقى، من يستمع لها وإن كان وحيداً إلا أنه يعيش مستمعاً لكل العازفين، لا يخجل من البكاء ولا الابتسام ولا القفز كالأطفال، هو وحيد وليس بوحيد.