|


فهد عافت
ثقل طينة
2019-01-02
كلمة لميخائيل نعيمة: وُلِد الفن إيحاءً، من يوم أن قالت الحيّة لحوّاء: ما أحلى التفاحة، ولم تقل لها: كلي التفاحة!
ـ الإيحاء الفنّي كريم، لا يؤذي من يعجز عن استشفافه، لا يُهين أحدًا!. لا يستعرض عضلاته كلغز أو خدعة حسابيّة!. يكاد يقول لك: ما لم تفهم فإنّ المعنى معلّقٌ لم يصل بعد، لا عيب فيك ولا فيه، مسألة وقت وتلتقيان!.
ـ الإيحاء البخيل ليس من الفن في شيء!، فما هو الإيحاء البخيل؟!، إنه الإيحاء الذي يدّعي أنه فنيّ، لكنه أقرب إلى المباشرة!. لا يباشر لأنه شجاع أو جسور، لكن لأنه إمّا جبان أو متسلّق!.
ـ لكن كيف يكون إيحاءً ويُباشر؟!. يحدث، طالما أنه ذلك الإيحاء الذي يقول لك افهمني رغمًا عنك، افهمني لأنني واضح لدرجة لا يمكنك إلا أنْ تكون غبيًّا ما لم تفهمني!.
ـ وهو من فرط الوقاحة يطلب منك تصفيقًا له وإبداء إعجاب!. يريد منك ردّ الجميل له، فقد قدّم رشوته لك على هيئة هدية: كشف عن نفسه لتصل إليه، وأوهمك بالألمعية، وبذكائك الحاد إذ وَصَلْت!. يا هذا: جميلك قبيح!.
ـ وأوضح الأمثلة تأتي من السينما: في فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، يمكن اعتبار دور "هاني رمزي" من أوله إلى آخره، إيحاءً متواصل السخف، لتبيان عنجهية ووصولية أمريكا!. المباشرة نفسها أكرم من هذا الإيحاء!. كذلك فإن أفلام خالد يوسف كلها تمشي هذا الطريق!.
ـ وفي المسرح مثلًا، فإن أكثر ما يسيء إلى مسرح محمد صبحي تحديدًا، هو هذه الإيحاءات المباشرة، أخلاقيًّا وسياسيًّا!. إنه مسرح محترم على أي حال، ويستحق التقدير لجهده والتزامه، لكنه يلعب كثيرًا على مثل هذا الحبل!، وإنْ كان على نحو أقل استعراضًا وفجاجةً من مسرح دريد لحّام مثلًا!.
ـ وفي الغناء: تُكثر "أصالة" من العُرَب وافهموا يا عَرَب أنني صاحبة صوت قويّ!. تكاد تمسكك من ثيابك طلبًا للتصفيق والإشادة!.
ـ في الشعر، والرسم، وفي كتابات تدّعي أنها أدبية وفنيّة، يتم تقديم كثير من هذه الإيحاءات المُخجلة. ترميزات فقيرة ضحلة، جبانة، وتثير القرف!.
ـ ومن المؤسِف، ويا لثقل طينة هذا المؤسِف في شبكات التواصل، أنه حتى وفي أعمال المروءة والخير والمساعدة، المصوَّرَة أو المكتوب عنها من قِبَل أصحابها، أو أصحاب أصحابها!، كثيرًا ما تفوح رائحة مثل هذه الإيحاءات المُتغطرسة!.