|


أحمد الحامد⁩
الرجل الذي أحب حجرا
2019-01-05
ما هو الحب بالنسبة لك، الحب لا يحصر في حب رجل لامرأة، أو امرأة لرجل، هل فكرت يومًا بحبك لنفسك وما تهوى هذه النفس؟ إن كانت لديك هواية أو موهبة فاسعى إليها وحدك، لا تنتظر في ذلك تشجيعًا من أحد ما، ولا تستمع لإحباطات كائن من كان.
هي هوايتك وموهبتك أنت فما علاقتهم إذن؟ هل تعرف الفرنسي فردناند شافيل؟ لم يكن تلميذًا نجيبًا، ترك الدراسة وهو ابن 13 عامًا، عمل كساعي بريد طوال حياته الوظيفية، وفي مشوار الحياة أحب نفسه فأعطاها حقها، انتزع هذا الحب وصارع من أجله طوال 33 عامًا، بينما كان فردناند يتنقل بين العناوين لإيصال الرسائل، شاهد حجرًا على الأرض، أعجبت نفسه بالحجر وأحبه، بدأ يجمع الأحجار الشبيهة به، في السنوات الأولى كان يلتقط الأحجار ويضعها في جيبه، بعد أن تزوج أصبحت زوجته تخيط له جيوبه المثقوبة، ثم استعمل عربة لنقل كمية أكبر من الأحجار، بدأ يصل على قدميه إلى مسافات بعيدة بعد أن نفدت الأحجار في منطقته، كان يسير أميالًا كل يوم، يعبر الوديان والمرتفعات، صامتًا لا يرد على بذاءات الأطفال وسكان منطقته الوقحين كلما مر أمامهم في طريق عودته إلى بيته يجر عربته المحملة بالصخور، من أفدح قرارات الإنسان أن يعيش لإرضاء الناس، فردناند كان أكبر من أن يرتكب هذا الخطأ الكبير، كان أكبر من أن يضحي بحياته وأحلامه وحبه من أجل أناس لن يرضوا عليه أبدًا، ولماذا يرضيهم طالما لم يخطأ في حقهم؟ إنها حياته هو، إنه وقته وزمنه، تاريخه لا تاريخهم، كل يصنع نفسه بنفسه، كل مسؤول عما يفعل، بعد 33 عامًا إليكم نتيجة الطفل الذي لم يكمل تعليمه، والرجل الذي أخلص لنفسه، إنه قصر فردناند الأعجوبة الهندسية الذي بناه ساعي البريد، التحفة المعمارية التي بناها رجل واحد، أحبَ ما يفعل وآمن بنفسه، خلده التاريخ كأسطورة، بينما لا نعرف كل من نعته بالمعتوه والمجنون عندما كان يجر فردناند عربته، قصر فردناند يقع في إقليم دروم جنوب شرقي فرنسا، أهم معلم هناك، أشاد بعبقرية ساعي البريد علماء الهندسة والفنانون، قال عن بابلو بيكاسو عن موهبته بأنها الموهبة الفطرية، من ظلم الإنسان لنفسه ألا يحبها وألا يثق بها، لن يعطيك أحد شيئًا لم تعطه أنت لنفسك.