|


فهد عافت
طهر البكاء الأوّل
2019-01-05
ـ بكاء الطفل لحظة خروجه من بطن أمه، يشعّ دلالات!. مرّةً قلتُ: ربما، حزنًا على ملايين الأخوَة الذين فاز عليهم في السِّباق إلى البويضة، قبل أشهر!. وهذه المرّة أقول: ربما، لقول: أنا أيضًا لديّ ما أريد قوله!، ها قد تأكدت من أن صوتي معي، بقي أن تكون لدي كلمة!.
ـ حِسْبَة الظن الأخيرة هذه تمنحني معنى لإحساس دفين، معنى له تداعيات: كل الكلمات أصلها البكاء!. ولعلّه ندم الخطيئة الأولى!. ثم ولأنّ التوّاب تاب علينا: "فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"، تُشع العيون ببسمة وتنفرج الشفاه، ونبدأ لملمة كلمات الفرح من البكاء ذاته!.
ـ أنتَ، وأنا، جميعنا وُلِدْنا، ولدى كل واحدٍ منّا كلمة ليقولها. ومثلما أن الموت نهاية كلماتنا في هذه الحياة، فإنّ نهاية كلماتنا موت أيضًا!.
ـ لدينا أصواتنا، وعلى كل منّا أن يجد، أو أن يصنع، كلماته، يقولها أو يكتبها أو يغنّيها، أو يُسِرّها وَصيّةً لأبنائه!.
ـ الصوت موجود، والمواضيع والمعاني والمشاعر ستتلاحق وتتزاحم، المشكلة ليست في المواضيع إذن، ولا في ما ستخبز من المعاني. صوت عبقري من التراث سبق له أن صدح: "المعاني ملقاة على قارعة الطرق"!.
ـ جان جينيه يكتب: "إنني قادر على اختراع المواضيع، أمّا الكلمات فإنها تتمرّد عليّ، ولا تأتي إلا كما تريد هي"!. وسدهارتا يحضر: "الكلمات لا تعبّر عن الأفكار جيّدًا. فكل شيء يصبح بغتةً مختلفًا قليلًا، ومشوّشًا قليلًا، وأحمق قليلًا"!.
ـ المشكلة إذن في الكلمات!. المشكلة والحل في الكلمات!.
ـ يبقى من التداعيات أخير: لماذا نحزن عندما نكذب، أو نجامل فوق الحدّ!، أو حتى عندما لا تقول كلماتنا المعنى الذي أردناه تمامًا؟!. ظنّي: لأننا بذلك نخون، أو نُشَوِّه، طهر البكاء الأول!.