|


أحمد الحامد⁩
صوت داخلي
2019-01-13
يبدو أن التقدم في العمر له منافع كثيرة، صحيح أنه كلما تقدم الإنسان في العمر قلّ بقاؤه في الحياة، لكن هذا غير مهم، كما أن الإنسان بطبيعته يتقبل هذه الحقيقة، المهم أن يصل الإنسان إلى صيغة تصالحية مستقرة مع نفسه.
في هذه المرحلة يستطيع الإنسان أن يعيش أوقاتاً سعيدة، أقول ذلك لأن الصوت الداخلي الذي رافقني منذ طفولتي أصبح أكثر اتزاناً وهدوءًا وهذا أمر مهم، لأنه سبق وأضاع عليّ الكثير من الأوقات السعيدة، كان يشغلني ولا يتوقف عن تزويدي بالأفكار، وإذا ما نجحت في تحقيق إحداها كان يلقي عليّ بالثانية التي أخفق بها فتضيع نتائج الفكرة الأولى.
كثرة الأفكار لا تعني أنها مؤشر جيد، الكثرة تصنع الفوضى، والفوضى لا تخلق الجودة ولا الاستمرارية، الصوت الداخلي رفيق خطير جداً، ويجب السيطرة على سرعته على ألا تكون بطيئة، صداقته مهمه لأنه في أوقات ما خير من يقدم لك الاستشارة، وفي أحيان أخرى عليك ألا تتخذ رأيه لأنه سيغيره بعد فترة.
الصوت الداخلي يسمي نفسه أحياناً بالحدس، وأحياناً بالشعور، وأحياناً يدّعي الذكاء، لكنه يتخلى عنك إذا ما وقعت في مستنقع إحدى أفكاره ليجعلك تجلد نفسك وحيداً، التقدم في العمر له فوائد كثيرة منها أنك تكتسب المعرفة والخبرة التي تستطيع أن تميز بين أفكار وآراء الصوت، وتستطيع أيضاً "بالخبرة" أن تتخذ قرار التمهل في عقد الاتفاق معه حتى تراجع أفكاره، لكنني أبقى مديناً له في الكثير من المواقف، خاصة تلك التي يشد بها أزري ويقدم لي جرعات الشجاعة التي أحتاجها في بعض المواقف.
أيضاً أنا مدين له لتصرفه السليم في بعض المواقف المحرجة، في أحد الأيام قام المعلم بضربي بمسطرته ذات الزوايا الحادة، كان سبب عقابه لي لأنني نسيت كتاب الرياضيات، كان الطقس بارداً والمعلم قاسياً، شعرت بالألم الشديد عند تلقي كل ضربة، فقام الصوت الداخلي بالتصرف، شّغَل أغنية في ذهني مازلت أذكرها كانت لعبد المحسن المهنا.. مع ريح الهوى مسافر أدور ديرة النسيان.. مالي بالهوى خاطر.. ولأني ذاكر العنوان، مازلت أذكر نظرة المعلم المتسائلة.. لماذا لم يبكِ هذا الطفل رغم الضرب الشديد المتكرر؟.. شكراً لصوتي الداخلي الذي حافظ على دموعي ومنعها من السقوط.