|


أحمد الحامد⁩
حكمة ضرير
2019-01-19
ـ شخصيًّا كل شيء نجحت به كنت مضطرًّا عليه، وكل شيء أخفقت به كانت لدي به مساحة في عدم الجدية وعدم التركيز و"الدلع"؛ لأنني في الحقيقة إن لم أنجح في التنفيذ لدي بعض البدائل.
ـ قبل أسابيع استضفت محمد سعد، وهو شاب معروف في السوشال ميديا، وسبب شهرته أنه ضرير، لكنه تعامل مع عدم تمكنه من رؤية الأشياء بعينيه إلى رؤيتها بقلبه وأحاسيسه، محمد سعد أسس إذاعة إلكترونية قدم بها العديد من البرامج، العجيب أنه هو من ينفذ برامجه بنفسه وهي عملية ليست سهلة، يعرف ذلك من يعمل في مجال الإذاعة، لأن محمد هو المذيع ومهندس الصوت والتقني الذي يشبك الأسلاك بالأجهزة ويستخدم الكمبيوترات ويدخل الأغاني في البرامج، كل ذلك لوحده، وهي عملية في طبيعتها تحتاج إلى عدة أشخاص مبصرين ومختصين، كيف فعل محمد كل ذلك وحده؟
ـ الإجابة أخذتها منه عندما سألته: يا محمد أنا مقدم برامج إذاعية، لكنني لم أستطع أن أكون مهندس صوت في نفس الوقت، ورغم إلحاح الإدارة أن أتعلم الهندسة الصوتية، إلا أنني لم أستطع فعل ذلك، كيف استطعت يا محمد وأنت ضرير لا ترى الأشياء بعينيك من فعل ما لم أستطع فعله؟
ـ قال لي وستبقى هكذا.. لن تستطيع أن تتعلم الهندسة الصوتية طالما أنت لست مضطراً لفعل ذلك اضطراراً، الاضطرار هو من أرغمني أن أتعلم كل شيء يخص الإذاعة من تقديم وهندسة صوتية ومكتبة موسيقية وصيانة الأجهزة، بل كل ما تعلمته كنت مضطراً لتعلمه حتى أستغني عن مساعدة الناس.
ـ عندما راجعت إجابته واسترجعت بعض الأمور التي أنجزتها، وجدت نفسي أنني كنت مضطراً لإنجازها، وكل ما لم أستطع إنجازه كنت به في بحبوحة من أمري، يوثق ذلك المثل التقليدي "الحاجة أم الاختراع"، وهو مثل واقعي، فكل الأشياء التي تعلمها الإنسان وابتكرها كانت بسبب حاجته إليها، محمد سعد الذي كان بحاجة إلى أن يرى العالم بطريقته الخاصه، يعيش الآن بأسلوب نموذجي للدرجة التي قال لي عندما سألته: هل تود أن تبصر بعينيك وترى الأشياء وما يصفه الناس؟ قال مستحيل.. لا أتمنى إلا ما أنا عليه، ولا أريد أبداً أن أرى كما يرى المبصرون.. ولا أتمنى ذلك، جواب محمد جاء لأنه اضطر أن يتعلم وأن يستغني عن مساعدة الآخرين.