|


أحمد الحامد⁩
أيام لندنية 2ـ2
2019-01-21
بالأمس كتبت عن شخص التقيت معه صدفة في لندن في بداية التسعينيات الميلادية، كان نابغة في الرياضيات وفي التاريخ والأدب، شخصيته أسرتني، قلت في نفسي يبدو أنني تعرفت على رجل لا بد أن يكون ذا شأن ذات يوم.
كان شاباً أقرب إلى الوسامة وفي عينيه يسكن حزن قديم، شعرت أننا سنكون صديقين لسنوات طويلة، سألته: ما عملك الآن وهل تدرس؟ قال لي إنه سيعمل بعد أسبوع في وظيفة، وعندما يستقر سيبدأ في الدراسة، ثم قال لي: هل تستطيع خدمتي في أمر معين؟ ثم قال إن صاحب الغرفة التي كان يسكن بها قد طرده؛ لأنه لم يكن يملك مالاً لدفع الإيجار، وإنه يحتاج أن ينام لعدة أيّام قبل أن يبدأ في الوظيفة، حيث سيحصل على سكن من صاحب العمل، حينها كنت أشترك مع بعض الأصدقاء في شقة واحدة، قلت له حسناً، تعال واسكن معي عدة أيّام ونم على سريري وأنا سأنام على الكنبة، رفض وقال بأنه هو من سينام على الكنبة، عندما أحضرته إلى الشقة، لاحظ انزعاج الذين يشاركونني المكان، خصوصًا أنني لم أستشرهم في هذا الأمر، حاولت أن ألطف الأجواء وقلت لهم إن ضيفنا يملك موهبة عظيمة في الرياضيات والتاريخ، بإمكانكم أن تسألوه عن الجمع والطرح والضرب وسيجيبكم خلال ثانية، لم يتحمس شركائي في السكن وذهبوا للنوم مبكرًا في تلك الليلة، في الصباح أيقظني أحدهم وقال قم.. لقد سرقنا صاحبك وهرب، كان قد أخذ كل ما استطاعت أن تصل إليه يديه في جيوب ملابسنا، مع بعض الساعات التي وضعها شركائي في السكن بجانب رؤوسهم، جلست صامتًا وأنا مندهش من فعلته، قلت لهم بأنني أتحمل مسؤولية ما حدث، قالوا لا نريد منك شيئًا، ولكن لا تحضر لنا غريباً مرة أخرى، خرجت أسير في الشارع وأنا مندهش من تصرفه، وكيف يفعل مثل فعلته من أعطاه الله كل هذه المواهب، مرت عدة سنوات كنت أتذكره كلما مررت بجانب تمثال، أو كلما قرأت أبياتًا من إحدى المعلقات السبع، وبينما كنت يومًا أسير في كوينز ويه، وقعت عيناي على رجل رث الثياب يعلوها الوسخ.. عرفته مباشرة، كانت السنوات الماضية قد نالت من تقاسيم وجهه، حتى بدا أن وجهه يكبر عمره الحقيقي بكثير، كان شاردًا ينظر نحو اللاشيء.