|


أحمد الحامد⁩
كورة سالم
2019-02-23
في السبعينيات والثمانينيات الميلادية، كان امتلاك الصبي لكرة قدم من مسببات السعادة، كان من يمتلك الكرة في الحارة يتحول إلى سيّدها، الآمر والناهي، وسيمُها وحكيمها الذي يأمر بسعادتك أو تعاستك، اللاعب الفذ الذي جاء فرجاً من الله حتى ينتصر للحارة من كل الحارات المجاورة، أما الذين لا يرون ذلك حقاً فالحكم عليهم أن يتحولوا إلى متفرجين أذلاء، أو إلى منبوذين عصاة.
ـ في أحد الأيام اشترى سالم كرة، كانت الكرة الوحيدة في الحارة، لم يكن سالم ذا شأن كروي يذكر، بل لم يكن من الذين يمارسون كرة القدم كما يمارسها عشاقها ليل نهار، اجتمعنا حول سالم الذي وقف في منتصف الملعب، يقسم اللاعبين إلى فريقين على هواه، ضم أفضل اللاعبين إلى فريقه ووضع مركزه قلب هجوم.
ـ عبدالله كان لاعب كرة ماهراً جداً، والذين يعشقون الكرة كانوا يأتون للفرجة على لعبه لا للعب معه أو ضده، لا أذكر يوماً أنه اشترى كرة في حياته، لكنه كان محبوباً للدرجة التي كان يسمح له باستعارة الكرة من صاحبها لتبقى عنده ليلة كاملة، عبدالله إنسان ودود ومجامل، كانت الظروف صعبة عندما امتلك سالم كرة، قبل عبدالله باللعب مجبراً، يتجاوز المدافعين بكل رشاقة ليضعها سهلة بين يدي سالم الذي كان يضيّع الفرصة تلو الأخرى، في البداية كان عبدالله متحمساً مجاملاً سالم، كأن يقول له: ما عليه ما عليه.. بس حلوة شوتك! وفي إحدى الفرص التي أضاعها سالم في بداية الشوط الأول علق عبدالله على الفرصة الضائعة التي مهدها لسالم: حلو.. حلو.. تذكرني لمساتك في بلاتيني!
ـ في منتصف الشوط الثاني ومع ضياع الفرص تلو الأخرى بأقدام سالم ومع اشتداد حرارة اللعب والطقس، أمسك عبدالله الكرة بيده وقذفها بقوة على وجه سالم مرددًا: يا عمي أنت وين والكورة وين، هاك خذ كورتك الله لا يبارك فيك.. هم ذالنا هم مستواك تعبان!، غضب سالم وأخذ كرته وتوقفت المباراة، في اليوم التالي اشترى عبدالله كرة من نوع قوي ومعروف، أصبحت تلك الكرة لأبناء الحارة مدة طويلة، وانتهى سالم. الأذكياء في الحياة ممن يمتلكون الكُرة هم من يطوعونها لمصلحة عبدالله الماهر، ويضعون قدراتهم بين يديه دون أن يشاركوه صناعة تسجيل الهدف على أرض الملعب، لأنه لاعب ماهر، ولأنهم ليسوا مهرة، بل يمتلكون الكرة، فينجحان معاً.