|


أحمد الحامد⁩
صالة مطار
2019-03-02
أكتب وأنا في المطار، وتحديدًا في صالة المغادرين من مطار هيثرو، أمامي امرأة تحتضن أمهما وتبكي، يبدو أنها أمها لفارق السن الواضح ولشدة بكاء الابنة وصمت الأم الغارق في الألم، واضح أنهما آسيويتا الأصل، آسيا القارة العظيمة جدًا، قارة العجائب والغرائب منذ الأزل، هناك على بعد خطوات مشاعر مختلفة، رجل كهل مع زوجته، جميل هذا البقاء، جميل جدًا جدًا، صبور برحمة ومنتصر على كل الظروف.
- صالة رقم 4 في مطار هيثرو للناظر تبدو أنها صالة القارة الآسيوية، شركات الطيران الآسيوية تقلع طائراتها من هذه الصالة، لماذا تم جمعنا نحن الآسيويين هكذا؟ الكثير من الدموع تسقط هنا، لسنا أكثر عاطفة من المغادرين على الصالة رقم 5، تلك التي تم تخصيصها للأوروبيين، الأوروبيون يبكون أيضًا عند مغادرة أحبتهم، أعتقد أن الفارق في البكاء أننا لا نبكي عادةً إلا عند الفراق؛ فيأتي بكاؤنا انفعاليًا انفجاريًا، الأوروبيون منظمون أكثر، يبكون قليلًا في كل مرة ولكن على طوال العام، وعندما يسافر أحد أحبتهم سفرًا طويلًا يكون بكاؤهم معتدلًا.
- في هذا المطار سافرت وعدت عشرات المرات، كثير من تلك السفرات لو عاد الوقت بي لن أقوم بها، لست نادمًا، لا أحد يتعلم بالمجان، لكنني تذكرت نفسي قبل سنوات عندما كنت مغادرًا أو عائدًا إلى هذا المطار، لم يقل الحماس، ولكن قلّت زحمة الأفكار والأوهام، في سنة ما اتجهت للتركيز على التجارة، بعد سنة واحدة فتشت في جواز سفري ورأيت عشرات الأختام، عددت تذاكر السفر وحسبت مصاريف الإقامة، ظهر أنني لو كنت محتفظًا بتلك المصاريف لنفسي لكانت خير تجارة.
- لم أكن أعرف أن قوة الإنسان في تخصصه، فتح مجالات مختلفة نهائيًا تجلب المتاعب والخسائر دائمًا، “محدش يتعلم ببلاش”، أقولها مرةً أخرى مطبطبًا على كتفي، لكنها حقيقة؛ لذلك أخذت بها مقتنعًا وهذا أهم شيء، أصبح عندي الوقت الذي أستثمره في مجالي وأطور نفسي به “آمل ذلك”، وأصبح عندي الوقت الذي أعطيه لنفسي ـ حققت ذلك ـ يبقى التوفيق دائمًا من الله أولًا، ستغادر الرحلة بعد قليل وبجانبي مسنٌ من بنجلاديش قال لي بأنه مقيم في لندن منذ 57 عامًا، جاء طالبًا وسرقته السنوات، وهو يعود زائرًا بعد رحيل كل هذه السنين، آسيا ترفض ألا تكون قارة العجائب حتى في صالة المطار التي خصصت لأبنائها.