|


صالح الخليف
مدينون لكرة القدم
2019-03-08
لا يحق لصحفيي كرة القدم ادعاء الحرفية والمهنية والمفهومية لمجرد أنهم يحظون بمتابعة شعبية واسعة، ويتمتعون بشهرة وجماهيرية كبيرة.. لا يصح القول: إن الصحفيين الكرويين أكثر إتقانًا وإجادة من أضدادهم في الصحافة السياسية والاقتصادية والفنية والاجتماعية.. هذا فيه تجنٍّ وقفز وراء جدران الوقائع والحقائق، استنادًا فقط إلى حجم الصدى الذي يتردد من خلال نتاج عملهم وأدائهم.
الصحافة الرياضية، التي يزعم ويتغنى منسوبوها دائمًا بمساحة تمددها ونفوذها وتغلغها في حياة الناس، يتجاهلون فيها مربط الفرس الوثَّاب.. كرة القدم هي السبب الرئيس، وكل ما يأتي بعدها مجرد هوامش على دفتر الزمن، إن صح التعبير.. طبيعي أن الموهبة والقدرة على التكيُّف مع البيئة والأجواء، والصبر أمورٌ مطلوبة وضرورية، لكنها تأتي متجمِّعة في المراتب التالية.. كرة القدم لعبة الحياة، ولعبة الحب والناس، ولعبة التفاصيل الصغيرة والكبيرة.. هي تمثِّل وجهًا واضحًا من معتركات الدنيا التي لا تنتهي.. تمثِّل كذلك معنى الفرح الجماعي والغضب الجماعي، والصوت الجماعي والتفكير الجماعي.. هي حالة، تضع الإنسان أمام تقلبات الدهر التي لا يملك فيها ومنها شيئًا.. الكلام عنها ومنها وإليها يطول ويتشعب حتى يبدو وكأنه تلك الأنهار التي لا يعرف منبعها ومصبها الأخير.. أعطت كرة القدم صحافتها قبسًا لا ينطفئ، وجعلت من صحفييها أعلامًا تحاصرهم النيران المتقدة من كل الجهات.. إذا كنت صحفيًّا كرويًّا مشهورًا فالأسرار لا تكمن في نجاحاتك.. إنك مدين للعبة الشهيرة.. أما حينما تصبح صحفيًّا فنيًّا، فهنا يبدو النجاح معقدًا.. ليس في الفن المشاكسات التي تحملها كرة القدم.. ليس فيه المناكفات بين المتنافسين.. غالبًا ما يتعامل الفنانون والشعراء والملحنون مع بعضهم بطرق دبلوماسية ووفقًا للحاجة والحفاظ على الصورة أمام العالم.
نادرًا ما تبدو الأجواء مشحونة ومتوترة بينهم.. فعليًّا هم يستهدفون ذائقة الناس.. الفنان الذي يريد أن يصبح الأول، والأفضل، والأكثر مستمعين و”منطربين” لا يفعل ذلك من خلال كيل الشتائم والانتقادات عبر الصحافة إلى الفنانين الآخرين الذين يمثِّلون أعداء المهنة.. الصحفي الفني عادةً ما يصطدم ببرودة هذا التعامل؛ فلا يمكنه الحصول على مادة تثير شهية القرَّاء.. كرة القدم تمهد هذا الطريق، بل تختصر هذا الطريق تمامًا، وتلغي كافة الحواجز، وتوفر الوقت والجهد، وتتكفل بنقل أصحابها إلى حيث لا يتوقعون.. أشعر بأنني أتشعَّب في موضوع يمكن اختصاره بسهولة..
الذي أريد قوله بوضوح: إن الصحفي المتخصص بمتابعة كرة القدم يفترض أن يتذكر أفضال وإحسان وجميل لعبة كرة القدم عليه.. ساعدته وأعطته ومنحته.. فليس عليه إلا أن يشكرها ويدعو لها بطول البقاء..!!