|


تركي السهلي
الرجل الفراشة
2019-03-09
المعارك العظيمة لا تحدث في الدكاكين. للحروب ساحاتها. لم يحدث أن امتطى فارس صهوة جواده ولاحق ظلّه. لابد من ند. ولكي تكون فارساً حقيقياً عليك أن تحمل أخلاق الفرسان.. لا دناءة في المواجهة ولا مسببات تافهة للخوض.
الناقد في كرة القدم السعودية عليه أن يكون مثل الفارس أمامه ساحات هائلة وأسلحة متعددة وأنداد كثر ونهايات حتمية، إذ لا داحس هنا ولا غبراء، والناقد الذي لا يضع نهايات محتملة يموت في منتصف الطريق. الموت يحل بالناقد حينما يتوهم العداوة وتصبح دوافع معركته لا تتعدى القضية الواحدة القديمة.
كرة القدم لدينا في السعودية صاخبة والعمل في الأندية جاذب ومغر. الناس ستتعرف عليك والجماهير ستقابلك ووسائل الإعلام ستلاحقك والأموال ستراها أمام عينيك.. والوجهاء سيدعونك لمجالسهم والضوء سيلاحقك أينما كنت، وهنا عليك أن تختار إما أن تكون فراشة أو ظلاً أو طريقًا يهتدى بمعالمه الواضحة. ولأن المهام لدينا لم تتحول إلى نص مكتوب ولا توجد في الأندية نقاط محددة للحركة، كثرت النماذج التي تضع الجميع تحت خدعة المفهومية واحتكار المعرفة، وهنا يحدث الخلط؛ فتجد الرجل البهلوان يقفز من مكان إلى مكان، والصورة تغم على المتفرج والأصوات تعلو.. تعلو إلى ألاّ سقف ولا حدود. كم أتمنى أن أرى وقد تحولت الأندية لدينا إلى مستوى عال من الوضوح والمنهج غير القابل للتبديل، والرجل الفراشة الذي لا يجذبه الضوء. السقوط السريع مؤلم والدوافع الضيّقة لا تمنح صاحبها أفقاً واسعًا. ليتنا نعجل بالتخصيص ففيه ومعه سيحل عالم جديد نرى فيه الإداري المتخصص والعامل المهني المحترف والناقد الجديد. سيحيل التخصيص الجميع إلى قطع شديدة الوضوح، إذ لا نجومية تفوق نجومية الممارس الحقيقي، ولا صوت يعلو على صوت المدرجات وعائد الربحية. سيصبح الجميع في مكانه بالضبط.. رجل التسويق رجل تسويق ورجل المال رجل مال والصورة ستكون للفريق لا للعامل فيه، والإطار سيكون للاحتواء والحفظ لا للبهرجة والزينة. لقد أعطينا كرة القدم كثيراً من أدواتنا وحان الوقت لكي تعطينا هي من مناخها الحقيقي، إذ لا يمكن أن نستمر في التعامل معها وفق ثقافتنا نحن لا ثقافتها هي؛ فالعالم يسير بوتيرة أسرع مما نحن عليه الآن، والاجتماعات تدور في مدن العالم للتطوير والتخطيط، ونحن لا نبحث إلا عما يرضي دواخلنا لا مواكبة ذلك العالم السريع. فليتوقف كل رجل فراشة ولندر الضوء إلى ممرات جديدة ولنستمع إلى هدير آلة العمل.. رجاءً.