|


أحمد الحامد⁩
ألوان الحياة
2019-03-10
يحكى أن كاتباً تعارك مع مغنٍ، كل يدعي أنه الأكثر تأثيراً على الناس، فتخاصما عند القاضي وأوكل كل منهما محامياً للدفاع عنه.
بدأ محامي المغني بالمرافعة قائلاً: يا حضرة القاضي، الأغنية تشبه الحب، ومثلما الحب في كل مكان في هذا الكون فالأغنية كذلك، لا يحتاج الصوت الجميل سوى لحن جميل وكلمات رقيقة ليصبح أشهر من أشهر كاتب في بلاده، المغني في عدة دقائق يدخل قلوب الناس، يصبح العاشق المخلص والإنسان العاقل أمام الملايين، لأنه يغني رحيق فكر الشعراء وبساطتهم.
بينما يحتاج الكاتب عدة كتب لقول ما يريد تأخذ منه زهرة سنين عمره، وعدة كتب أخرى يرد بها على من ناقضه فيما كتبه، تأخذ منه ما تبقى من عمره، انظر إلى أين تصل الأغنية.. تطير كالنسمة العليلة وتحط في قلوب الجميع، يرددها الفلاح في حقله والغني في قصره، وترددها الأم لصغيرها في مهده، وعندما يكبر الصغير يرسلها عاشقاً إلى حبيبته، وهي رغم رقتها تتحول إلى سلاح الحماسة ضد الأعداء والمعتدين، إنها قوة البساطة العجيبة، إنها تدور مع دورة الحياة لكنها باقية ولا تنقرض، لا شك أنك تذكرت بعض الأغاني التي حفظتها وأنا أحدثك عن الأغنية يا سيدي.
نظر قاضي المحكمة إلى محامي الكاتب في إشارة منه للبدء في مرافعته، جمع المحامي أوراقه المتناثرة على الطاولة: شكراً حضرة القاضي العادل، لاشك أنك كنت طالباً نبيهاً عندما قرأت ودرست عشرات بل مئات الكتب التي أوصلتك مع نبوغك طبعاً إلى أدق الأمكنة رفعة وشأناً، تلك الكتب التي كانت خلاصة لحضارات وفكر الإنسان، لا شك أنك قرأت عن الأديان ودساتير الدول، وقرأت عن مئات القضايا وحفظت القوانين، لقد كنت تقرأ يا حضرة القاضي.. حتى أنني متأكد أنك كنت تقرأ ولا تستمع للأغاني قبل اختبارات حصولك على الدرجة الرفيعة التي أوصلتك لهذا المكان الذي تستحقه، ولا شك أنك أحياناً وفي بعض القضايا المعقدة كنت تقرأ الكتب التي تحتوي على قضايا مشابهة أو تقرأ لتراجع القوانين التي تخص القضية، لأنك ياسيدي القاضي تريد بعون الله أن تقيم العدل، العدل الذي لولاه لما صلحت هذه الحياة للإنسان، ومن أجل ذلك أنت تقرأ يا سيدي، هل صادفتك قضية يوماً واستمعت من أجلها لأغنية؟ حَكم القاضي لصالح الكاتب، وخرج من المحكمة وركب سيارته وهو يدندن أغنية كان يستمع لها وهو تلميذ صغير.