|


تركي السهلي
تفكيك التخوين
2019-03-18
لا أحد يحب أن ينظر له جمع من البشر على أنه لا يصطف معهم وهم في حالة اتحاد نحو مصير واحد.. نظرة الشك المغلّفة لأعينهم تصبح سهامًا تنغرس في القلب.. الحديث الذي يرمي إلى الخيانة مُرَ. الهزيل لا قيمة له وقت الاشتداد.. الصوت المنادي للمقاتل بالعودة بمثابة حبل مشنقة.. القائد غير الواثق من فرد لا يحظى باحترام جماعة.. التخوين لا يمكن أن يكون رائجاً إلاّ في لحظة عجز.. الفُرقة توجد الكثير من النماذج المزيّفة.. يُصبح كل صاحب صوت وكأن بيده سوطاً يأمر به وينهى من يريد.
تظل كرة القدم لعبة فيها مساحة هائلة للعاطفة ولتفاعلات الإنسان، ولا يمكن أن يتعامل معها المتابع بصمت خشب ولا بصلابة حديد.. هذا مفهوم، ومقبول أن يلقى الشغوف بها ما يلقى من الحب ونقيضه، لكن عليه في كل الحالات، ووفق الحد الأدنى من ميزان المشاعر، أن يتقبّل النتائج وأن يُحافظ على آدمية روحة وعقله.. اللسان يتحوّل إلى سكين تُقطّع النفس الشفّافة. نظن أحياناً، وبأنانية مُفرِطة، أن لاعب كرة القدم لا قيمة له، وأنّ عليه أن يحقق رغباتنا في كل مرّة يلعب فيها.. أن يكون بلا هدف سوى نحن.. أن يتمرّن كحصان وأن يجري كفهد.. أن يُذعِن لصراخنا عليه.. أن نُعلِيه متى ما شئنا وأنّ نُخفِضه متى ما أردنا.. أن نجعله حبيس رؤيتنا وتقديراتنا.. نُغلِق عليه كل شيء وليس مسموحًا له أن يتذمّر.. وحينما يتمرّد نطلقه إلى فضاء الجحيم. نحن أقسى مّما يتصوّر.. هو ملك انتماءاتنا.. وتفاعلاتنا.. ورغباتنا التي بلا مدى.. هو حكمنا الذي نصدره عليه.. وقضيتنا التي نداولها بنفس الطريقة في كل موسم وكل وقت منافسة.. نحن الدائمون على ذات المنوال.. نحن المشكّلون للاعب وفق ألواننا.. نحن الأعلى.. نحن الذين نربط علاقتنا به وفق ما نريد نحن لا ما يريد هو.. نحن الذين نقول وهو الذي يستمع.. نحن من يحدد مكانته في قلوبنا وعليه أن يقبل. نحن المخوّفون له. كلنا نساهم في إيجاد اللاعب الخاضع.
الميل لكل جميل طبيعة بشرية، وهناك من يلعب كرة القدم وكأنه يمارس عملاً فنياً لا قدرة لأحد سواه على إنتاجه، لكن الفروقات بين لاعب ولاعب أساس في اللعبة. حينما تتحول منافسة كرة الكرة إلى حرب كلامية تتوقف عن جذبنا، وحينما تُصبح الألسن الطويلة القاسية ملاحقة للاعب، تكون أشد وقعاً عليه من بطاقة حمراء في مباراة نهائية يحضرها العالم. لا للتخوين.