|


تركي السهلي
موتٌ وميلاد
2019-03-25
كرة القدم حالة مستمرة لا تتوقف بنهاية منافسة، وهي في حال موت وميلاد دائم.. مباراة بعد مباراة وبطولة تتبعها بطولة.. يعتزل لاعب جماهيري فتتعلّق القلوب بنجم بديل.. ويبقى شغف الناس وقصصهم المتوارثة من جيل إلى جيل.
ساعات ويلتقي النصر بالهلال في دورة حديثة من التنافس بعد نحو 60 عاماً من اللقاء الأول في سلسلة من البناء التاريخي والثقافي الطويل المؤثر على سكان العاصمة الرياض ومن حولها، ولاحقاً مناطق المملكة ومدنها. تقدّم النصر على الهلال في التأسيس وكان الشباب قبلهما، لكن النادي العاصمي الأبيض مُتشكِّل في معظمه من أبناء منطقة الحجاز الممارسين للعبة قبل منطقة نجد والقادمين للعمل في الأجهزة الحكومية المرتبطين بحركتها بين الصيف والشتاء غرباً ووسطا. حينما ظهر النصر في العام 1955م كان أكثر تعبيراً عن أهالي مدينة الرياض من حيث تركيبة لاعبيه الاجتماعية من الشباب ومن بعده الهلال أيضاً، كون ممارسي اللعبة في النادي الأصفر تكوّنوا من عمق أهالي المدينة الآخذة في الجذب السكاني ذلك الوقت.
بدأ نادي الهلال تجربته في العام 1957م بعد النصر بنحو عامين؛ فعبّر عن مشروعه على نحو واضح وهو منافسة النادي المتقدم عليه تاريخياً والمكتمل رؤيةً كناد يعني الأهالي ويرمز لهم. واختار الهلال السُكنى بقرب النصر طمعاً في التقاط ما يفيض منه أو حرمانه من عابر. الحقيقة أن الهلال لم يتجاوز ذلك المشروع الذي بدأ به منذ أكثر من نصف قرن حتى هذه الأيام، رغم تحقيقه لعدد بطولات أكثر من النصر. ظلّ هاجس الأكبر والأكثر عمقاً يطارد الهلال ولم ينفكّ منه حتى مع تحوّل النادي الأزرق إلى نادٍ عاصمي على نحو رسمي وجماهيري، وبقي في شخصية المًلاحق كظل للجسم النصراوي المًكتمل.
تأتي مباراة النصر والهلال المُقبلة لتضع قدماً جديدة، بعد مشوار طويل لمشوار طويل آخر، وبعد إرث هائل إلى بناء مجد جديد، ومن تكوين إلى تكوين. اليوم تبدّلت اللغة السائدة، ولم تعد الأندية في حاجة إلى عناصر تخرج من تركيبتها كي تُمثّلها في مواجهة الند، فمن لديه العقل المتسع لن تحده حدود ضيّقة، ومن يصطاد الموهبة يهنأ بطعمها، ومن يعرف كيف يكتب القصة سيجيد توظيف كلماتها، ومن يريد البقاء لا مجال أمامه إلاّ التخلّي عن فكرة الملاحقة المضنية للأقدام وللأعين، فلا قلب ينبض كي يُسمِع قلبًا ثانيًا، ولا رئة تتنفس لتمنح الهواء لرئة أخرى، والموت الذي يتبعه ميلاد يُصبح بداية لعمر آت.