|


أحمد الحامد⁩
رسائل وساعي بريد
2019-04-13
أنا واحد من الذين كانوا يكتبون الرسائل ويضعون عليها الطوابع ليرسلوها عبر البريد، شكلت مع صندوق البريد علاقة حسيّة عالية، خصوصاً عندما كان ينتابني شعور بأن هناك رسالة في الصندوق ويصدق الشعور، لكن هذه العلاقة لم تكن دائماً في أجمل أحوالها.
خصوصاً عندما تنتظر رسائل لم ولن تصل إليك، لأن رسائلك التي بعثتها لم تصل إلى المرسل إليه أساساً، أجلس الآن وبجانبي رجل في الأربعين، من ضمن المهن التي عمل بها ساعي بريد، كانت مناسبة جيدة لسؤاله عن الأسباب التي لا تصل بها بعض الرسائل، أجاب بأن غالباً الرسائل تصل إلى أصحابها إلا فيما ندر لأسباب قد تكون فنية، ولكنه اعترف لي اعترافاً خطيراً جعلني أنظر إليه وأتساءل أي مشاعر كان يحمل هذا الرجل، قال بأنه كان شاباً في العشرين من عمره عندما عمل كساعي بريد، ولأن هذا العمل لم يكن بحجم تطلعاته ولأنه كان مراهقاً "في محاولة منه لإبداء الندم"، لم يكن يوصل الرسائل إلى أصحابها، كان يأخذ الرسائل كل صباح ويذهب إلى البر القريب ويرميها هناك ويذهب ليجلس في أحد المقاهي حتى تنتهي ساعات عمله، استمر على هذا الحال ثلاثة أشهر ولم يكتشف خداعه إلا عندما ألقى برسالة "مسجلة" كان بداخلها دواء دون معرفته بذلك الأمر الذي كشف خداعه وتم فصله عن العمل بعد عدة وساطات أجراها حتى لا يسجن!، عرفت أن رسائلي التي لم تصل قد تكون ألقيت في الصحراء أو في البحر أو المكان المناسب لرميها حسب جغرافية المرسل إليه! أدين لتلك الكتابات لأصدقاء الطفولة والمجلات بأنها أعطتني متعة لم أجدها إلا في الورق وفي الوقت الذي أقضيه في محاولات التعبير بأفضل طريقة ممكنة، مازلت أذكر كيف كنت أكتب دائماً على أظرف الرسائل بخط جيد: شكراً لساعي البريد، في محاولة مني لاستعطافه حتى يوصل الرسالة، اليوم لا رسائل بريدية ولا صناديق بريد ولا كتابة يدوية، لا يعرف الكثير من شباب الجيل الحالي عن أي رسائل يتحدث عنها بدر بن عبدالمحسن في أغنية لا تردين الرسايل!، الحياة تتبدل سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر، انتصرت التقنية على حساب الخط العربي وتحسينه، لا شك أن التقنية اختصرت لنا الوقت وسهلت الأمور من حولنا، لكنها في الرسائل أفقدتها بعضاً من رومانسيتها.