|


تركي السهلي
العودة للميناء
2019-04-29
التفاصيل الصغيرة جداً تمنحك مستوى هائلاً من الحياة أحياناً، وهذا ربما ما يصطبغ به نادي الاتحاد السعودي المؤسس في 1927م، فهذا النادي المحبوب من قبل شريحة هائلة بدأ من ميناء..
كان البحّارة يأتون إلى جدة من موانئ شتى آنذاك ويمارسون كرة القدم فتشكّل المزيج المذهل من اللاعبين.. بحّارة وعمّال ولاحقاً تجار البضائع. كانت البواخر تأتي من الموانئ البريطانية في إفريقيا والهند محمّلة بالتوابل والأقمشة والتبغ وممارسي كرة القدم.. نزل اللون وانتشرت الرائحة على ميناء جدة فنشأ الاتحاد.. أشتم كل ما ذهبت إلى جدة رائحة الاتحاد تماماً كما لو كانت رائحة أحرف رواية "سمراويت" لحجي جابر، كتب حجي جابر، وهو روائي من أرتيريا حازت روايته على جائزة "بوكر" العربية، فصول الرواية بين جدة ومدينة مصوع الأرتيرية الساحلية وجعل فيها مساحة للاتحاد وللاعبي الاتحاد ولكل ما يمثله النادي العتيق في نفوس وأحلام صغار أحياء جدة الضيقة، وكيف كان يشكل لاعب مثل حسن خليفة منطلقاً لكل الحكايات الواردة بين الصغار والكبار حين ارتياد المدارس وفي الأزقة والحواري الضيّقة.. الاتحاد هو لوحة السعادة الصفراء لكل الحالمين.. الاتحاد هو حديث العمال الدائم وأحلامهم وقصصهم التي لا تنتهي.. هو الحديث الذي لا ينفك يدور بين كل اللاهثين بأن ثمّة خلاف بين تاجر وعامل.. بأن البسطاء عليهم النعيم بما يعنيهم.. بأن كرة القدم تماماً كالموسيقى لا دين لها ولا لون.. يقع الاتحاد بين معترك دائم.. بين التاريخ والجغرافيا لكنه دائماً ما كان يحيا.. يقاوم رغبة الانسلاخ بواقع التماهي والاندماج.. كل الخطوات التي أخذت الاتحاد بعيداً.. عادت إلى الميناء.. الاتحاد عاد بها في الواقع.. لا أدري لماذا لم يختر الاتحاد السواري الحمراء شعاراً له.. أو سفينة بعيدة.. أو شراعاً يرفرف.. ليته اختار مزيجاً بين جرّة فول وحبوب قهوة ولباس بحّار.. لماذا لم يكتب الاتحاد على قميصه المقلّم.. هنا كل المدن الواقعة على البحر الأحمر.. هنا جدة.. هنا كل تفاصيل الميناء.. هنا البداية التي لا تنتهي.. هنا الإنسان حينما يكون طامعاً في فرح.. هنا الرواية المكتوبة من عابر عن حب مدينة لا رائحة فيها سوى البحر وولائم البحر.. يعود الاتحاد في كل موسم كروي ليذكّر الجميع بنشأته.. بذلك الميناء القديم.. بتلك البواخر الخشبية الراسية من تعب.. بذلك العامل الذي يحمل على ظهره خارطة الميناء ومن عليه وبجانبه تدور النوارس.. نوارس رواية حجي جابر.