|


أحمد الحامد⁩
الشقة 111
2019-05-08
الشقة 111 في عمارة شيربون كورت، الواقعة في شارع كرومويل رود في لندن، هي عبارة عن استديو صغير كما يسميه العقاريون، وللتوضيح أكثر هي غرفة كبيرة مفتوحة على المطبخ والصالة، لم يكن في الشقة أي مميزات سوى أنها تقع في عمارة بجانب مستشفى كرومويل.
لذلك سكنها الخليجيون الذين جاؤوا للعلاج في المستشفى، عندما استأجرتها لم أكن أعلم بوجودها قرب المستشفى، هذا الجهل فوّت عليَّ معرفة بأن العمارة ستكون بطابع خليجي، وأن أروقتها سيفوح منها رائحة طبخ الكبسات وسماع الأغاني العربية بصوت مرتفع وأنها عمارة لا تنام، منذ أن سكنت بها وعرف أصدقائي العنوان حتى جاؤوا من كل صوب، الذي يدرس خارج لندن ينام عندي في الويك إند، الذي يعيش في لندن يغادر الشقة بعد الواحدة أو الثانية فجرًا، بدأت وبدأ أصدقائي بالتعرف على سكان العمارة الذين بدؤوا بالتوافد حتى أصبحت الشقة 111 "الديوانية" الرسمية للعمارة، في البداية كنت أنا مَن يقوم بإعداد الشاي والقهوة والوجبات على اعتبار أنهم ضيوف، بعد أن توطدت العلاقة أصبح الزوار أصحاب دار، كانت هناك مشكلة واحدة هي مفتاح الشقة، أخذ أحدهم المفتاح وقام بنسخه، بعد عدة أسابيع شعرت بالتعب وبأنني فقدت كامل خصوصيتي، أصبحت لا أنام على السرير إلا نادرًا لأن أحدهم سبقني إليه، أصبحت أخرج كثيرًا، وأعود لأجد الديوانية مليئة بالنقاشات التي قد تبدأ دينية وتنتهي بالغناء على عزف العود والرقص على الإيقاع، أكثر واحد "كشخة" هو مَن يستفيق مبكرًا ليلبس ما يحلو له من ملابس النائمين، أما أسوأهم لبسًا هو الذي استفاق متأخرًا، ولا غرابة أن وجدته يلبس بنطلونًا مع "نعال" أجلكم الله، لم يعتبر ذلك سرقة بل "حال واقع"، وما تلبسه أنت اليوم سيلبسه من يستفيق غدًا باكرًا، أحد المرضى قرر أن يقيم رسميًّا في الشقة لأن مرافقه يريد أن يعود إلى وطنه، وأنه لا يريد أن يبقى وحيدًا، نصحته بشدة على عدم السكن بها ضمانًا لصحته وأن الإقامة بها لا تشبه زيارتها، صمم على ذلك لكنه أعلن هزيمته وانسحابه بعد عدة أيام مكتفيًا بخسارة عدة قطع من ملابسه الثمينة وجميع أحذيته، لأنه غادر الشقة وهو يلبس "زنوبة" كانت مخصصة للحمام، كانت أيامًا مليئة بـ "الفانتازيا"، بالضحك والحزن، لم أتحمل ذلك الواقع وغادرت العمارة بعد عشرة أشهر ولم أعد إليها، بعد سنوات طويلة كنت في مطار دبي واستوقفني رجل قائلاً: "كيف حالك يا أحمد"، أخذني إلى المكتب وعاملني معاملة رائعة وأوصلني إلى الطائرة، بعد أن غيّر مقعدي إلى درجة "البيزنس"، كان أحد رواد الشقة 111.