|


تركي السهلي
حدود حمد الله
2019-05-26
أحياناً، تحتاج إلى حرف واحد فقط لتكتمل الكلمة المراد توظيفها لاستقامة المعنى، ومن دونه لا قيمة لكل الكلمات. عبد الرزاق حمد الله هو كل الأحرف الجميلة في قصة كأس دوري محمد بن سلمان للمحترفين 2018-2019م.
لم يكن عبد الرزاق حمد الله، المولود في العام 1990م في مدينة أسفي المغربية، مجرد فتى يرقب البحر ويُطلق الأحلام كلّما ساح بنظره إلى عالم ما وراء المحيط، بل كان يضع في ذهنه أن الحياة بجانب البحر لا تعني أن ترافق السمك وأن ترتبط بالماء. لقد رمى عبد الرزاق حمد الله منذ وقت مبكر قبعة الصياد وارتدى حذاء العشب الأخضر واتجه نحو كرة القدم بكل ما فيها من آمال وآلام وسفر طويل وركض خلف الحلم البعيد القريب. نادى فتى الأطلس حلمه منذ وقت مبكر فأتاه على قدمين.. سلّم على كل البحّارة الواقفين على شواطئ أسفي، وانتقلت رحلته إلى أبعد من منطقة سمك.. لوّح بيده لكل الرايات البعيدة فهتفت له فيما بعد.. قطع البحر ووصل إلى الخليج فخرج له اللؤلؤ وغنّت له حناجر البحّارة. كان صيّاد أسفي ماهراً في التقاط ما في المحيط فأصبح عارفاً بتضاريس الصحراء. أتى عبد الرزاق حمد الله إلى السعودية كما لو كان يعلم جيداً إلى أي الدول آت.. إلى الحضارة العريقة والمسرح الجديد وليال الدعاء المفتوحة على السماء.. إلى الشغف اللامنتهي بكرة القدم.. إلى أولئك الساكنين في شارع بلال بن رباح بسحناتهم السمراء وفي حدود ممرات ملعب الملز العتيق، وإلى المحيطين بالرياض من كل صوب القاطعين كل المسافات من أجل النصر الحلم. وصل فتى الأطلسي إلى الرياض وبين أضلعه قلب مقاتل وروح محافظ صلاة.. كان مزيجاً من دعاء سلفي وتمايل صوفي فحافظ على نغمة الإيقاع وروح المؤمن الشفّافة. يلعب عبد الرزاق حمد الله كرة القدم كما يلعبها الشبيبة، ويداعبها كما لو كانت خيوط حرير، ويقسو على منافسيه كما يقسو على مبارزيه فارس أمازيغي شديد البأس سريع الغضب. كرة القدم لا تعترف بالرحمة أحياناً وليس مطلوباً على ممارسها أن يكون رقيقاً في تفاصيلها.. لذا يحب الناس اللاعب الثائر أمام شباك المرمى. في كل لحظات حمد الله مع النصر لم يكن يبحث عن رقم ولم يكن يلاحق التاريخ، بل كان يركض ولا يلتفت خلفه. كان حمد الله شبيهاً بنادي النصر.. كان كل منهما في انتظار الآخر فتكوّنت حدود حمد الله.