|


أحمد الحامد⁩
العيد والقلوب الكبيرة
2019-06-02
العيد على الأبواب، ومثلما كان شهر رمضان فرصة عظيمة لتهذيب النفس، فإن العيد أيضاً فرصة كبيرة للتسامح، لم تنفع القسوة يوماً كل الذين فقدوا أحبتهم دون أن يتسامحوا معهم وهم أحياء، المتسامح في عائلته هو أقوى أفرادها، وتنازلاته كرم وقبوله المسامحة قوة لا ضعف.
أقول هذا لنفسي أولاً، في كل عيد كنت أطلب من كل مستمع لديه خلاف مع أحد أشقائه أو أقربائه أو أصدقائه أن يتسامح ويبادر بالتواصل وينهي القطيعة. في إحدى المرات وبعد أن وجهت كلماتي للمستمعين على الهواء تذكرت قريباً انقطع حبل الوصل بيننا منذ سنوات بسبب خلاف عائلي، جاءني صوت داخلي يسألني وهل ستنهي أنت قطيعتك بقريبك؟ اتصلت به وباركت له بالعيد، وجدته متفاعلاً وسعيداً باتصالي، بعد أن أنهيت المكالمة شعرت بصغر الخلاف الذي كان بيننا وبحجم القطيعة الكبير الذي استمر كل هذه السنوات وانتهى بدقائق قليلة، لم أشعر بأنني تنازلت، بل جاءني شعور بالراحة وبعض الندم على عدم المبادرة مبكراً رغم أنني مازلت معتقداً إلى غاية اليوم بأنه كان مخطئاً فيما اختلفنا عليه، في المقابل وبعد اتصالي معه ظهرت أمامي مباشرة بعض الجوانب الجميلة به، تلك المزايا التي اختفت من أمامي لأنني انشغلت عنها، بعد اتصالي به شعرت بالراحة وارتحت من حمل المبررات التي سببت هذا الخلاف بيننا.
مازلت أذكر أحد الأقرباء عندما توفي أخوه، أثناء عودتنا من المقبرة ونحن في السيارة قال لي: هل تصدق أنني لم أره منذ سبع سنوات! قلت له ولكنه كان مريضاً منذ خمس سنوات وكنت تعلم بأن مرضه يأخذه نحو الموت، قال بحزن وندم، كنا على خلاف ولم أنس هذا الخلاف إلا قبل قليل، عندما كنت أراه داخل القبر، تذكرته عندما كان صغيراً، تذكرت بأنه أخي، توقف على جانب الطريق وانفجر بالبكاء.
عندما كنا صغاراً حفظنا كلمات عن معنى العيد بأنه فرحة، كأطفال كان العيد بالنسبة لنا هو للعب وجمع "العيديات"، اليوم عندما كبرنا فهمنا المعنى الحقيقي لمفهوم أن العيد فرحة، فرحة بوجود أحبتك من حولك وأنتم جميعاً بخير وسلام دون أن يأخذ الموت واحداً منهم، وبأنه فرحة بوجودهم جميعاً دون أن يتفرقوا متباغضين، وبأن فرحة العيد تصنعها القلوب الطيبة التي لا تتوقف عند الخلافات، بل تصنع لها حلاً قبل أن تكبر ويكبر معها الندم إذا ما تقدم العمر أو أخذ الموت فجأة من كنت على خلاف معه من إخوتك أو أحبتك، أول يوم في العيد حاول أن تبادر بإنهاء أي خلاف أسري وقطع هذا الجفاء بينكما، هذا الأمر يحتاج إلى طيبة وشجاعة وقلب كبير متسامح، لا أشك بأنك تملك كل هذه الصفات، وكل عام وأنت بخير.