|


أحمد الحامد⁩
قد البحر بحبك
2019-07-07
خرجت من البيت منذ الصباح، الطقس في هذه المدينة الإنجليزية اليوم أقرب لأيام الشتاء الدافئة، لا يعترف الطقس الإنجليزي عادة بالمواسم، متى ما أراد أن يحول الصيف إلى أمطار شتائية فإنه يفعل ذلك دون أن يعطي وقتاً كافياً حتى لخبراء الأرصاد حتى يبلغونا بتقلب الطقس.
الحديث عن الطقس حديث معتاد بين الإنجليز، ما إن تلتقي برجل إنجليزي وتتحدث معه حتى تصل إلى الحديث عن الطقس وتقلباته، لم أكن أعلم إلى أين سأذهب تحديداً، لكنني وجدت نفسي في محطة القطارات، قرأت لافتة الرحلات ووجدت رحلة ستتجه إلى مدينة بحرية، كان إغراءً لرجل فقد رؤية البحر منذ أشهر طويلة، وعقله يتزاحم بأفكار غير مترابطة، ما إن صعدت القطار حتى بدأت تتساقط الأفكار، عند كل محطة، حتى وصلت إلى البحر، كان البحر ممتداً كأنه أرض من فضة، وصوت فيروز بدأ يعلو في رأسي.. شايف البحر شو كبير.. قد البحر بحبك.. يحق للشعراء ما لا يحق لغيرهم، يا لها من مبالغة كبيرة، هل نحب حقاً بحجم البحر؟ أتيت إلى ميناء هذه المدينة قبل 24عاماً، كنت وصديقي في كل نهاية أسبوع عمل نمضي في سيارتنا إلى حيث يأخذنا الطريق حتى ينتهي بنا إلى مدينة، هكذا اكتشفنا المدن البريطانية، كانت هذه المدينة الساحلية إحدى المدن التي أهدتها لنا إحدى الطرق، لكنني الآن وحيد من دونه، اشتقت إليه كثيراً، على بعد ثلاثة أميال من هنا كنا نستأجر شاليهًا بـ25 جنيهًا إسترلينياً! ما زلت أذكر معظم الأغاني التي كنا نستمع إليها ونحن بجانب المدفأة، لو جاء إلينا أحد في ذلك الوقت وقال لنا بأننا سنفترق يوماً لخلاف ما، لقلنا له مستحيل أن نختلف.. لن يفرقنا إلا الموت، لكننا الآن مفترقان من دون موت، لا أعتقد أن إنساناً يحب إنساناً كائناً من كان بحجم البحر، لو كان لدى الإنسان حجم هذا الحب لما كان هناك فراق بين الأحباب والأصحاب.. لأن أحدهم سيكون لديه حب بحجم البحر، حب تغرق بداخله كل خلافات الحياة، حب يلتهم كل السفن التي تحمل أفكار البعد والرحيل، ولا يبقى إلا المودة تطفو على سطحه، سأغني لصاحبي الآن إحدى أغانيه.. لا.. سأعود إلى محطة القطار.. سأذهب إلى بيته لأقول له: قد البحر بحبك.