|


فهد عافت
أولاد حارتنا!
2019-07-30
ـ يُحكى أنّهم كانوا إخوةً، وأنّه كان لكلٍّ منهم بيت وحديقة. لم تكن البيوت متساوية ولا متشابهة، بعض الحدائق كانت أشبه بالبساتين، وبعضها الآخر كان مجرّد شتلات، وكان لكل من الأخوة عمل وزوجة وأبناء صغار، وأفكار وتطلّعات مختلفة لكنها ليست متضاربة بالضرورة، الأكيد أنّ ما كان يجمعهم وسيظل أمران: صلة الدم وتجاور البيوت!.
ـ وفي ليلة من الليالي، هجمت مجموعة، يقال إنها عائلة ويقال إنها تضم مشرّدين وهمج آخرين، هجمت على بيت أحد الإخوة، وبالعنف والقوّة وبشيء من الحيلة، تمكّنت من طرده وعائلته، رمتهم ثم رمت ببعض أغراضهم في الشارع، واستولت على البيت والحديقة بكامل الزرع وبما طمِعَتْ به من أغراض!.
ـ لم تكن البيوت متباعدة. فُتِحَتْ أبواب بقيّة الإخوة لأخيهم وأبنائه، فُتحت البيوت مرحّبة وفُتحت الأفواه مستغربة: كيف حدث ما حدث، كيف وبهذه السرعة، كيف ولماذا ثم ماذا؟!. ولم يُنسهم الهرج والمرج حُسن استقبال أخيهم وأسرته، ولأنها كانت أسرة كبيرة نسبيًّا، ولاختلاف مساحات البيوت وقدرات أصحابها، توزّع أفراد أسرة الأخ المنهوب على أكثر من بيت، تقريبًا في كل البيوت!.
ـ في صباح اليوم الثاني أو الثالث، تجمّع الأخوة وقرروا طرد المُحتل الغاصب، حاولوا ذلك بالحجارة والعصيّ وسكاكين المطبخ وكل أداة ممكنة ويمتلكونها، ظنوا أن الأمر سهل وسرعان ما اكتشفوا صعوبته وتعقيداته!.
ـ في اليوم التاسع أو العاشر، رُفعت القضية لمحكمة مشكوك في نزاهتها وعدلها!.
ـ الأيام التي كانت بين هذه الأيام، ضمّت أحداثًا بعضها بطولي وبعضها غرائبي وبعضها استغلالي وبعضها ضحكٌ كالبكا!. وفي هذه الأيام أيضًا كَبُر الأبناء، تزوّجوا، وصار لهم أبناء!.
ـ أحد الأخوة، وكان بيته مجاورًا تمامًا للبيت المسلوب، شعر بضرر، فقد أخذ الغاصب جزءًا من أرضه، يومها قرر أن الجزء المسلوب من أرضه أهم، فعقد صلحًا مع الغاصب، استرجع به أرضه، وصارت مساندته لأخيه محكومة بقانون هذا الصلح وحدوده!.
ـ وفي صباح يومٍ من الأيام، اكتشف الأخوة الذين كبروا في السن، أنّ أخوهم مسلوب البيت، وقبل أن يموت، قرر أمرًا عجبًا: اجتمع بالمُحتلّ في أرض غريبة، ووقّع هو أيضًا ورقة صلح واتفاق، قَبِل فيها استعادة غرفتين صغيرتين بينهما ممرّ أسماه صالة!.
ـ مات الأخ المسلوب، في إحدى الغرفتين، وبقيت أوراق المعاهدة، يتجدّد توقيعها بأيادي الأبناء والأحفاد، لكن عددًا ليس قليلًا منهم، صار يشتم بأقذر الكلمات ويتّهم عمومته وأبناء عمومته بالخذلان!. متناسين أمرًا هامًّا: لم يعد بإمكان أي من الإخوة بحكم القانون والاتفاق رمي حجر أو ركل باب البيت المسلوب واقتحامه عنوة!.
ـ "... آفة حارتنا النسيان"!.