|


أحمد الحامد⁩
التسويق أينما كنت
2019-08-24
في الطائرة أمام كرسيك مجموعة من المنشورات، أحد المنشورات عن المبيعات الجوية التي في رحلتك، تتصفح الأوراق حتى تصل إلى الصفحات التي تعرض بيع العطور، أنت ترى صورة زجاجة تعلم بأن داخلها عطر لكنك لا تعرف ما رائحته، تعجبك أم لا؟.
فكر أصحاب شركات العطور بهذه المعضلة، كيف تقنع زبونًا لاحقته إلى السماء حتى تأخذ ما في جيبه مقابل زجاجة عطر؟ ولأن التجارة شطارة، رأى التجار أن يخاطبوا المسافر على متن الطائرة بلغة لا يفهمها ولكن بصورة تبدو وكأنها مفهومة، المسافر يعلم بأن الكتابة الموجودة بجانب العطر تصف نوع الرائحة والخلطة التي مزج منها العطر، لكنه في الحقيقة لا يعرف ولن يعرف النتيجة النهائية لتلك الخلطة مهما تعددت الكلمات، هنا يأتي دور المسوق: هناك.. من أعماق جبال الروكي ومن ربيع سفوحها تفتحت وردة البوسبولا النظرة، مع مزيج من عبق التارلا الإسكندنافي بعد ذوبان جليد فبراير.. عطر يليق بالرجل الذي يبحث عن السمو!، أعتقد أن نصف التسويق للأشياء التي لا تراها أمامك على الواقع يعتمد على الغموض، والإنسان بطبيعته يحب هذا الجزء الذي يود أن يكتشفه، مع وجود بعض الكلمات التي تبدو فخمة، التسويق موهبة وأنا لا أتحدث هنا عن الخداع والغش، لكنني أتحدث عن من يملك الموهبة في ذكر حسنات المنتج وإبرازها، بعض المنتجات جيدة لكنها لا تجد المسوّق الجيد، يحكي لي أحد الذين وصلوا السبعين من عمرهم عن تجاربه في العمل، ولماذا لم يستقر في عمل من الأعمال الحرة، يحكي عن تجربته عندما عمل في أحد المكاتب العقارية كمسوّق لبيع الوحدات السكنية، يقول عن أسباب طرده بعد يوم واحد من العمل: جاءني شاب وزوجته يسألان عن بيت أعلن عنه مكتبنا العقاري في الصحيفة، مكون من 5 غرف، وأنهما يرغبان بمشاهدة البيت، رأيتهما وهما في بداية شبابهما فسألتهما عن عدد أطفالهما، فقالا إنه طفل واحد، فقلت لهما ولماذا تريدان شراء هذا البيت الكبير؟ لماذا ترهقان أنفسكما بمثل هذا المبلغ الكبير وأنتما في أول طريق حياتكما؟ ثم التفت إلى زوجته وقلت لها وأنتِ يا ابنتي خافي الله في زوجك ولا ترهقيه وارحميه، اذهبا الآن وفكرا جيدًا، وآمل أن تعدلا عن رأيكما في شراء هذا البيت الكبير، ما إن خرجا حتى أخذني صاحب المكتب إلى الخارج، وضع في جيبي مبلغًا صغيرًا من المال، وقال: توكل على الله!