|


أحمد الحامد⁩
والنسيان ثوبي
2019-09-03
أكتب متمدداً على "الكنبة"، أشعر بارتفاع حرارة جسدي وبرودة داخله، منذ الأمس وجسدي يدخل نوبات من الارتجاف كل عدة ساعات، ما إن أشعر بالتحسن وأشعر أن الشفاء اقترب، حتى يعود الشعور بالبرد، منذ الأمس.. وأنا أهدأ إنسان في البيت والأخفض صوتاً والأقل حركة، وديع أطلب بداخلي العطف من أفراد أسرتي وأسعد على كلمات الدعاء وتمنياتهم لي بالشفاء العاجل.
لا أفكر بأي شيء فكرت به قبل يومين وأكثر، لا أفكر نهائياً.. بل نسيت تماماً كل ما شغل تفكيري قبل أن أشعر بالضعف والبرد يتسللان إلى جسدي، وبمجرد أن تخلخل توازني زادا من الضعف والبرد وأسقطاني على "الكنبة" كما يسقط الملاكم في الحلبة.
لم يشاهدني أبنائي الصغار بمثل هذا الضعف، هذه المرة الأولى التي تتكشف لهم أجزاء من حقيقة والدهم.. لم يتصوروا أن أقوى رجل في حياتهم يتألم هكذا كلما دخل في نوبة سعال أسقطت دموعه من عينيه دون سيطرة منه حتى على مسحها بيديه، في الهاتف الجوال أطلع على الرسائل القادمة من الأصدقاء وأشعر بفارق التفكير فيما بيننا، لا يهمني أي شيء الآن، كل ما أطمح إليه هو ألا تفاجئني نوبة سعال ولا حرارة ترتفع وتنخفض كيفما أرادت.
الآن أشعر وكأنني متحرر عن كل ما أثقلت نفسي به، عن كل ما تمنيته أو سعيت إليه، أشعر بأنني مختلف وبفارق كبير عن الإنسان الذي كان قبل يومين، وقبل أن يسقط على "الكنبة"، أشعر بصغر ما كنت أشاهده كبيراً، وبكبر ما أسعى إليه الآن.. أن تنخفض درجة حرارتي.. درجة واحدة سيكون لها تأثير كبير، أعتقد بأنها صنف من أصناف الإنفلونزا.. وهي عادة تستمر إلى أربعة أو خمسة أيام، بعد ذلك يعافى الجسد ويشعر الإنسان بالقوة تعود إليه، مع عودة القوة التي يظن بوجودها تعود معها آفة النسيان.. فينسى كل ما شعر به من ضعف، وتعود كل الأشياء التي رآها صغيرة إلى أشياء كبيره، تستحق السعي والوقت والصراع، كلما مرضت فكرت بما أفكر به الآن، وكلما كنت معافى نسيت هذه الأفكار.
المرض والأمراض دروس حقيقة تحاول أن ترفع درجة عاطفتنا وتهذب رؤيتنا، أن تضع أقدامنا الصغيرة على الأرض، بعد أيام إذا ما انخفضت درجة الحرارة وعادت القوة إلى الجسد لن أكتب أن الأمراض دروس للبشر، بل سأكتب أن المال هو الدروس والكليات والجامعات، للشاعر كريم العراقي قصيدة جميلة يقول في مطلعها
أنا الإنسان والنسيان ثوبي
أنا وكلمة أنا أول عيوبي!