|


تركي السهلي
رحلة الصراع
2019-09-07
ما إن يبدأ المنتخب السعودي لكرة القدم في رحلة ركض جديد حتى يحوّل الجمهور لدينا المنافسة إلى صراع.. المؤازرة إلى مناكفات بين الانتماءات.. الأكفّ الملتهبة إلى حنجرةٍ مرتخيةٍ لا صوت لها سوى صدى الحبال الضعيفة.. اللون الواحد المُتحَلّق حوله يُصبِح لا تحديد له بسبب التداخل الكبير بينه وبين الألوان الأخرى..
لا شيء يرفع الانتماء الوطني كالحرب والانتصار الرياضي.. نحن نخوض معاركنا مع ذواتنا في دوران مُرهِق للجميع ومُشتِّت للتركيز على الأهداف.. ليتنا نعود إلى تلك البراءة التي تأخذنا نحو القفز فرحًا وبأيدينا الراية الخضراء.. ليتنا ننسى كل شيء ونتذكر ما يجمعنا.. الجدوى لا تكون من كثرة الجدل.. لا طائل من الشد والجذب والمنتخب ينوي السير في طريق طويل يحتاجنا فيه، ولا رغبة لديه في سماع الكلمات الفارغة.
اللاعبون المانحون لنا غيمات الزهو وزخات الدهشة وربيع الذكريات.. لن ننساهم.
المعلقون الباكون شرفًا وأنوار الزينة في كل الميادين في مدننا العريضة.. سنعود إليهم أكثر اخضرارًا.
السادة المسؤولون الذين سافروا عبر القارات.. القاطنون بنا.. وقفنا وسنقف لهم إجلالاً. الجحود لا يُغذّي حقول القمح ولا يُنبت السنابل.
لا أدري لماذا نمارس أدوارًا لا تُشبِهُنا ونُعيد دومًا اللغة نفسها، رغم فقرها الشديد؟. ما أجمل أن نمتلئ وطنًا وأن نُسابق الوطن وأن تكون المفردات في علو دائم.
لقد أخفينا خناجرنا في المناسبات ثم أبرزناها حين لاح صانع الفرح الأخضر وكأننا نريد أن ننشر الخلاف في ليلنا المُقمِر الجميل.. وكي نرقص رقصة التشفّي. بودِّي لو كل ممارس سعودي على العشب الأخضر يركل الفأس والمنجل ويدوس على نبتة ضارّة ويقتل فيها كل لوثة للتمدد القصير، ويُعطي المشاهدين له بُحب وولاء بقايا الخشب والحديد ليُشعِلوا بها قناديل لا تنطفئ. لا نريد أن نأخذ الكلمة من اللاهثين فُرقة ونُرجِعها لهم. نرغب في أن نصمت جيدًا حتى إذا تحدثنا أنهينا رحلة الصراع.
لم يعد أمامنا من ممرات نتوه فيها ونتسمّر في منتصفها كاللوحات الحديدية الباهتة المُغيّبة بالصدأ. لا قيمة للإشارة المنطفئة في ليلٍ حالك.. لا اهتداء إلا باليقين.. لا أفق يدعونا إلى سمائنا سوى وميض الأمل ولمعة الوصول في الأعين المستديرة. فلنغلق كل الأفواه المزعجة الصادرة نحونا من صدر بيتنا. فلننهض في وجه كل خامل وندفنه في تربة الغريب عنا. فلنقوي السواعد ونبني أخضر لا مكان فيه للمتصارعين.