|




تركي السهلي
النور الطويل
2019-09-23
في كل خطوات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل كان يشعل النور أمامه. لم يكن نوراً يظهر ويختبئ بحسب الليل والنهار بل كان وهجاً لا يغيب في داخله فيمنحه لكل من حوله.
بدأ عبدالعزيز شعلته الأولى من الرياض في العام 1902م وأنار الدنيا كلها في 1932م. ثلاثون عاماً أمضاها الملك المؤسس في نشر الضياء ولم يتوقف يوماً عن تبديد الظلام حتى وهو يغادرنا في العام 1953م. نحن نتحرك الآن بعد 89 عاماً من سيرته المضيئة وفي ذاتِ كُلٍ منّا وميض دائم. لم نكن بحاجة إلى صوت جهوري وكلام منمّق لنقف على أرض أحلامنا.. كُنَا جميعاً هنا.. على اليقين الذي أخذنا إليه الملك العادل وأسكنه أنفسنا.. رأينا شعلته أول مرّة فأخذنا منها الشعاع وأودعناه شمسنا الكبيرة. عبد العزيز هو النور الطويل المهتدون به في مسيرتنا.
حينما يحين الصباح كل يوم، نحن السعوديون، نكون قد استبقنا الفجر.. يكون كل فرد منّا قد تزوّد ببزوغه الخاص وحمل على ظهره حقيبة الشمس واتجه بخطواته المشتعلة نحو مساحة الوضوح.. لم نعد بحاجة إلى الاهتداء.. كل ما علينا هو أن نمشي فقط في مسيرتنا المعتادة المرسومة بهالات نور رجل أجاد تحديد جغرافيتنا وسلّمنا التاريخ. نحن الماضون بمجدنا الكبير إلى العلو الجديد لِنُطلق رؤيتنا الخاصة.. نحن الذين طردنا الأفق الضيّق واستقبلنا الاتساع. اليوم، نسافر في كل الأرجاء والقبس في أيدينا.. نعطيه كل الحائرين لننير طرقاتهم. نحن المهتدون منذ زمن ولم نضل يوماً.
السعودي المُشرق الآن هو ذاته الذي أدار القرص البعيد نحو وجهته في أول لحظات الظهور، وهو الذي لا يقبل أن يستدير بوجهه إلى حيث الغروب، وهو الذي ما زال يملك بوصلة الثبات وخارطة المسير.
الأخضر الواقف بين الصحراء والبحر ومدن النخيل يعرف تماماً نقاط قوّته وأي الآبار ملأى بالمياه وفي أي بقعة يكمن العشب وإلى أي مدى يمكن للأقدام أن تقطع وإلى تلك الساعة التي تناديه لركوب الأمواج.
السعودي المُزهر أخذ النبتة من عبد العزيز وغرسها في كل أراضيه وأوصل العبير للآخرين. لا أنانية في العطاء ولا نسيان للظل الوارف. نحن الجذور العميقة الآن ومن قبل.. نحن الجِمال التي تقوى على الأحمالِ ولا تخشى من العطش. نحن حديد الأرض ومطر السماء.
العظماء لا يكتبون سيرتهم بالحبر.. بل بالمجد. الفرسان لا يتجاوزون الأحصنة.. بل يمتطونها. الأوطان لا تُبنى بالخطابات.. بل بالهمم العالية والنور الطويل.