|




تركي السهلي
لقاء القُبّة
2019-10-14
لقاء المنتخب السعودي الأول لكرة القدم مع المنتخب الفلسطيني اليوم يأتي ليؤكد أن الرياضة هي المُحصّلة لكل ما تؤمن به الدول في مسارها الكامل الممتد من تاريخ وشعوب. والسعودية لها من المواقف الكثير في عمر القضيّة الفلسطينية منذ العام 1948م وحتى اللحظة التي رأت فيها الأعين الخضراء حدود رام الله أمس الأول. صحيح أن وجود الفريق السعودي في فلسطين من أجل خوض مباراة كروية لكن الرسالة الأعمق كانت في صلاة رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ومن معه في المسجد الأقصى، وكأن اللقاء المرتقب سيكون محاطاً بالقُبّة ودائراً حولها. لقد أعطت المنافسات الرياضية الناس مساحة للتعبير عن ذواتهم وتقديم ما لديهم من ثقافة احترام وتبادل ودّ.
لم تغب السعودية عن القدس يوماً لكي تكون حاضرة فيه اليوم. لم يكن ذهاب المملكة للعب في الأراضي الفلسطينية من باب الانسجام مع رغبات الاتحاد الدولي، بل نابع من القناعة التامة بمنح الأشقاء حقهم في التمثيل داخل أراضيهم ومساواتهم بكل دولة لديها أرض وعلم ونشيد وطني. بلقاء القُبّة في الضفة الغربية تقول السعودية للعالم إن النضال الطويل كان مشتركاً، وإن المشروع الفلسطيني هو مشروعها أيضاً بعيداً عن كل من يحاول أخذ المملكة إلى ساحة لا تحب أن تتواجد فيها، حيث الغوغاء وموجدو الفُرقة وزارعو الأحقاد والناكرون لمعروفها. تصحو كرة القدم فتستيقظ الدنيا كُلّها ويعم التسامح البشر. تدور فكرة كرة القدم حول مفاهيم عدّة، لكنها لا تتوقف أبداً عند حدود الفوز والهزيمة ولا تعترف اللعبة بأن على الإنسان أن يكون جامداً بلا حراك، إنّما تسير به إلى المدهش من الحياة ولا تترك أثراً إلاّ للمتعة. إن الأخوة في الرياضة الفلسطينية يريدون أن يكونوا بلونهم وشعارهم ونحن كذلك نريدهم أن يكونوا بزيهم وألوانهم الخاصة. الفرح الذي في نفوسنا من تواجدنا هناك يشبه تمامًا فرحنا ونحن هنا في ملاعبنا وبين جمهورنا ورغبتنا في الكسب هي ذاتها لم تتغيّر. إن الموقف الذي أبداه رئيس السلطة الفلسطينية والرياضيون كافة ومظاهر الترحيب البالغة التي أظهرها كل فلسطيني بتواجد الوفد السعودي بينهم تصب في ذات الاتجاه المنطلق من التقدير الكامل لمشوار الرياض الطويل مع أبناء القدس ومناصرتها الدائمة لحق تقرير المصير. ستنتهي المنافسة الكروية بعد ساعات وسيبقى التحرك السعودي مدى طويلاً شاهداً على الثبات والاستمرارية في نهج العطاء والمؤازرة الدائمة للقضايا العادلة، وستترك خلفها قصة واحدة تروى على مر الزمن لن تمحوها معابر الحدود.