|


أحمد الحامد⁩
طرائف عربية
2019-11-30
بعض الناس لديهم مواهب رائعة لكنهم يخشون إظهارها، معتقدين بأن ما لديهم أقل من أن يظهر للناس، هكذا ماتت مواهب قبل أن تولد، بالأمس اشتريت العدد الجديد من مجلة العربي، عام على الأقل لم أشترِ نسخة واحدة، لم نعد نذهب إلى المكتبة لشراء الصحف والمجلات، بل لشراء أجهزة الهاتف التي أصبحت تضم بداخلها كل شيء، زاوية طرائف عربية وغربية في مجلة العربي مفضلة لدي، خفيفة ورشيقة وممتعة.
أعود إلى الذين لا يعطون مواهبهم حقها، في زاوية طرائف عربية قرأت عن شاعر دخل على خالد بن عبد الله القسري وعنده الشعراء يمدحونه، فلما رأى اتساع الشعراء في القول استصغر ما قال، فسكت حتى انصرفوا، فقال له خالد: أعندك ما تقول؟ فقال مدحت الأمير، فلما سمعت الشعراء احتقرت بيتَيّ، فقال خالد وما هما؟ فأنشده:
تبرعت بالجود حتى نعشتني
وأعطيتني حتى حسبتك تلعبُ
فأنت الندى، وابن الندى وأبو الندى
حليف الندى ما للندى عنك مذهبُ.
قيل إن خالد القسري طرب للبيتين وكان الشاعر مديوناً بالمال فأعطاه القسري ما يسد له دينه ويزيد، لا شك أن من يكتب مثل هذين البيتين لا بد أن يكون مديوناً، إن من يعطي هذا الجمال سيعطي ماله أيضاً، إن الكرماء يموتون حسرة إذا لم يمتلكوا المال، فهم حينها لن يمارسوا سلوكهم ولن يعيشوا على طبيعتهم، خصوصاً إذا ما شاءت أقدارهم أن توقعهم في حالات يكون للئيم بها كلمة عليهم. قيل لإعرابي من أحق الناس بالرحمة؟ قال: الكريم يسلط عليه اللئيم، والعاقل يسلط عليه الجاهل.
أخيراً أختم ومن طرائف عربية ما أضحكني اليوم كثيراً وأنا أتخيل وجه شاعرنا الكبير إبراهيم ناجي وهو يستمع إلى ما أستمع إليه، دخل شاب يوماً إلى عيادة الطبيب الشاعر إبراهيم ناجي وأخذ يشكره بحرارة قائلاً: لقد نفعني علاجك جداً يا دكتور، فدهش ناجي لأنه لم يشاهد الشاب قبلاً، فقال: ولكنني لا أذكر أنني قد عالجتك، فقال الشاب: نعم هذا صحيح، لكنك عالجت عمي الذي توفي وترك لي ثروة طائلة عالجت بها مشكلاتي.
أعتقد أن الألم الذي عبر عنه إبراهيم ناجي في قصائده كان مما قاله هذا الشاب له، وليس مما فعل به الزمن أو من حبيباته.