للطعام اللذيذ مكانته وعشاقه، أقسم لي أحد الزملاء وكان كثير الخلافات مع زوجته، أنه تراجع عدة مرات عن طلاقها كلما تذكر يدها الماهرة وطعم طبخها اللذيذ، وأنه ضحى بسعادة قلبه مقابل سعادة لسانه ومعدته.
والحقيقة أن الطعام اللذيذ جاذب شديد للإنسان، حتى أن أصحاب المطعم الناجح الذي يقدم طعامًا لذيذًا يكسبون من مطعهم الصغير ما تحققه عمارة كبيرة من أرباح، بسبب كثرة الزبائن وازدحامهم على الطعام، لذلك افتتح العديد من الناس المطاعم عندما سمعوا بالأرباح الهائلة التي تحققها، لكنها كانت مشاريع فاشلة لأنهم امتلكوا المال لكنهم لم يمتلكوا الطعم اللذيذ، لذلك لا تحاول عزيزي القارئ أن تفتح مطعمًا مهما سمعت عن الأرباح التي يحققها المطعم الناجح، إلا إذا كنت تمتلك شغف هذه الصنعة.
شخصيًّا حاولت أن أتعلم الطبخ وفشلت في الاستمرار، ليس لأن النتائج كانت سيئة، بل لأنني كنت أستخدم عشرات الصحون والملاعق والقدور في عملية التحضير والطبخ، وهذا ما جعل المطبخ في فوضى كبيرة، فلم يعد الأمر مجديًا لمن أطبخ لهم، لأنهم من سينظفون المطبخ ويحاولون إعادته إلى سابق عهده.
اشتهر الأكل الشامي في بعض الدول الأوروبية، لذلك لا تستغرب عندما تجد أفغانيًّا افتتح مطعمًا يقدم الوجبات اللبنانية بنكهة أفغانية، لذلك عليك أن تتفحص وجوه العاملين وتستمع إلى لغتهم قبل أن تجلس على الطاولة وتطلب الطعام، في إحدى المرات تعرفت على مطعم لبناني افتتحه صاحبه في مدينة إنجليزية، كان المطعم ناجحًا وانتظرت ربع ساعة حتى أحصل على طاولة بمقعدين، بعد عدة أشهر صادف وجودي في المدينة نفسها فذهبت إلى المطعم، كان فارغًا من الزبائن، قدم صاحبه لائحة الطعام، سألته أين المشاوي والكفتة والعرايس؟، فقال والحزن فيه عينيه: متى نرحم أرواح الحيوانات؟ متى نعاملها برأفة؟ متى نتخلص من وحشيتنا؟ لقد خصصت هذا المطعم للأكل النباتي، شكرته وخرجت باحثًا عن مطعم آخر، بينما كان هناك صوت آخر يقول لمن قدم لي المنيو: والله راح نسكّر المطعم هيك، إيه شو الناس غنم حتى يأكلوا نباتات!. استغربت أن الرز لم يصل إلى نواحي منطقتنا العربية إلا قبل عشرات السنوات، رغم أنه يحتل الآن المكان الأكبر على المائدة، واليوم علمت أن طبخة الباييلا الإسبانية الشهيرة هي طبخة عربية، وكلمة باييلا الإسبانية تعود إلى كلمة “بقايا”، حيث كانت الطبخة عبارة عن تجميع بقايا الأطعمة، نصيحة لكل رجل زوجته تجيد الطبخ، لا تشعل الخلاف إلا بعد تناول الطعام!